لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر

لا يزال الناس بخير
ما عجلوا الفطر

تأليف
أبي مجاهد صالح بن محمد بن عبد الرحمن باكرمان

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف المرسلين , سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين , أما بعد ,
فهذه رسالة وجيزة في مسألة تعجيل الفطر , وأدلة استحبابه , وبعض المباحث المتعلقة بذلك  . وهي بعنوان (( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ))كتبتها إسهاماً مني في الدعوة إلى إحياء هذه السنّة من خلال إثارتها والتعريف بها , وذكر فضائلها . وهذا الهدف واضح من عنوان الرسالة , وهي أيضاً ترشيد لشباب هذه الصحوة المباركة الذين تعلقت قلوبهم بسنّة رسول الله  – وذلك من فضل الله عز وجل – إلا أن نشر السنّة وإشاعتها بين الناس يحتاج إلى حكمة بالغة و, أسلوب لطيف , ومراعاة لقواعد الشريعة ومقاصدها ؛ لذلك كله نصحت لنفسي ولإخواني في هذه الرسالة .
والله أسال أن يتقبلها بالقبول الحسن إنه وليّ ذلك والقادر عليه.
أبو مجاهد صالح ين محمد باكرمان
13/شعبان/1419هـ
ديس المكلا ـ حضرموت

المبحث الأول
فضل تعجيل الفطر واستحبابه
تواترت الأحاديث عن النبي صلىى الله عليه وسلم في استحباب تعجيل الفطر , قال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى : ” قال الإمام أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله تعالى: أحاديث تعجيل الإفطار وتأخير السحور صحاح متواترة ” .
وهذه جملة من الأحاديث الصحيحة والحسنة الدالة على فضل واستحباب تعجيل الفطر:
الحديث الأول : عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله  قال:(( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر )).
قال الإمام الترمذي رحمه الله تعالى : “حديث سهل بن سعد حديث حسن صحيح وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب النبي  وغيرهم استحبوا تعجيل الفطر وبه يقول الشافعي أحمد وإسحاق ” .
وقال الإمام البغوي رحمه الله في شرح السنة : ” والعمل على هذا عند أهل العلم استحبوا تعجيل الفطر بعدما تيقن غروب الشمس قال عبد الكريم بن أبي المخارق : من عمل النبوة تعجيل الفطر والاستيناء بالسحور ”  .
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى:” قوله (( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر )) فيه الحث على تعجيله بعد تحقق غروب الشمس ومعناه لا يزال أمر الأمة منتظماً وهم بخير ماداموا محافظين على هذه السنة , وإذا أخروه كان ذلك علامة على فساد يقعون فيه ” .
ولا غرو فتمسك الأمة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم دليل على سيرها على الجادة وعلى الطريقة المعتدلة دون غلو ولا جفاء , وتركها للوسطية دليل على انحرافها عن الجادة والطريق المستقيم .
وقال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى:” قوله (( لا يزال الناس بخير )) في حديث أبي هريرة (( لا يزال الدين ظاهراً ))و ظهور الدين مستلزم لدوام الخير، قوله (( ما عجلوا الفطر )) زاد أبو ذر في حديثه (( وأخروا السحور )) أخرجه أحمد و(ما) ظرفية أي مدة فعلهم ذلك امتثالاً للسنة واقفين عند حدها غير متنطعين بعقولهم مايغير قواعدها )) .
وقال الإمام أبو عبد الله الأُبِّي رحمه الله تعالى: ” قوله (( لا يزال الناس بخير )) أشار بذلك  إلى أن تغيّر هذه علَم على فساد الأمر , ولا يزالون بخير ماداموا محافظين عليها ” .
وقال السنوسي معقباً على كلام الأبي السابق:” قلت: ويحتمل أن يكون ذلك كناية عن كون الخير يدوم في الناس بدوام هذه الأمة المشرفة ؛ إذ هي التي تبيح تعجيل الفطر , أما إذا خرج الدجال وأتباعه من اليهود والذين يحرمون تعجيل الفطر فإنه يفيض حينئذ الشر وتعظم الفتنة , ويتعطل الخير إلا في نادر من الناس , ولا حول ولا قوة إلا بالله ” .
وقال المناوي رحمه الله : (( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر )) أي : ماداموا على هذه السنة ؛ لأن تعجيله بعد تيقن الغروب من سنن المرسلين , فمن حافظ عليه تخلق بأخلاقهم ؛ ولأن فيه مخالفة أهل الكتاب في تأخيرهم إلى اشتباك النجوم , وفي ملتنا شعار أهل البدع , فمن خالفهم واتبع السنة لم يزل بخير , فإن أخّر غير معتقد وجوب التأخير ولا ندبه فلا خير فيه , كما قال الطِيْبي :إن متابعة الرسول  هي الطريق المستقيم , ومن تعوج عنها فقد ارتكب المعوج من الضلال ولو في العبادة ”  .
وخلاصة كلام أهل العلم في شرح هذا الحديث أن تعجيل الفطر سنة عظيمة من سنن المصطفى  , وأن الدوام عليها علامة من علامات بقاء الخير وظهوره في هذه الأمة , وأن التفريط في هذه السنة أو تركها علامة على ظهور شر في هذه الأمة , وقد يكون هذا الشر هو ترك السنة وإقحام العقول فيما لا مجال لها فيه فيؤدي ذلك إلى تغيير في السنة وقواعدها التي جاء بها النبي  , ولا شك أن ذلك نذير عقوبة على هذه الأمة . وقد يكون هذا الشر هو انقضاء ملك هذه الأمة ودوامها وذلك بظهور الدجال وخروج اليهود معه الذين اشتهروا بتأخير الفطور منتظرين به اشتباك النجوم وحدوث البلايا في هذه الأرض .إلا أن الأول أظهر والعلم عند الله،ولا يتنافى ذلك مع الثاني لمن تأمله.
ومن بديع ما يذكر هنا ما رواه الإمام عبد الرزاق في مصنفه… عن ابن المسيب عن أبيه قال: كنت جالساً عند عمر إذ جاءه ركب من الشام فطفق عمر يستخبر عن حالهم فقال :هل يعجل أهل الشام الفطر؟ قال : نعم , قال:لن يزالوا بخير ما فعلوا ذلك ولم ينتظروا النجوم انتظار أهل العراق ” .

الحديث الثاني : عن عبد اللَّهِ بن أبي أَوْفَى رضي الله عنه قال كنا مع رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  في سَفَرٍ وهو صَائِمٌ فلما غَرَبَتْ الشَّمْسُ قال لِبَعْضِ الْقَوْمِ: (( يا فُلَانُ , قُمْ فَاجْدَحْ لنا )) . فقال : يا رَسُولَ اللَّهِ , لو أَمْسَيْتَ . قال : (( انْزِلْ فَاجْدَحْ لنا )) .قال : يا رَسُولَ اللَّهِ , فَلَوْ أَمْسَيْتَ . قال : (( انْزِلْ فَاجْدَحْ لنا )). قال : إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا . قال : (( انْزِلْ فَاجْدَحْ لنا )) . فَنَزَلَ فَجَدَحَ لهم فَشَرِبَ النبي  صلى الله عليه وسلم  ثُمَّ قال : (( إذا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ قد أَقْبَلَ من هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ )) .

صحيح مسلم ج2/ص772
صحيح البخاري ج2/ص691
صحيح البخاري 2/691/ح1853.
سمعت عَاصِمَ بن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ عن أبيه رضي الله عنه قال قال رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  إذا أَقْبَلَ اللَّيْلُ من هَا هُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ من هَا هُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ

صحيح البخاري ج2/ص692
44 بَاب تَعْجِيلِ الْإِفْطَارِ

1856 حدثنا عبد اللَّهِ بن يُوسُفَ أخبرنا مَالِكٌ عن أبي حَازِمٍ عن سَهْلِ بن سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  قال لَا يَزَالُ الناس بِخَيْرٍ ما عَجَّلُوا الْفِطْرَ

1857 حدثنا أَحْمَدُ بن يُونُسَ حدثنا أبو بَكْرٍ عن سُلَيْمَانَ عن بن أبي أَوْفَى رضي الله عنه قال كنت مع النبي  صلى الله عليه وسلم  في سَفَرٍ فَصَامَ حتى أَمْسَى قال لِرَجُلٍ انْزِلْ فَاجْدَحْ لي قال لو انْتَظَرْتَ حتى تُمْسِيَ قال انْزِلْ فَاجْدَحْ لي إذا رَأَيْتَ اللَّيْلَ قد أَقْبَلَ من هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ
1101 عن عبد اللَّهِ بن أبي أَوْفَى رضي الله عنه قال كنا مع رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  في سَفَرٍ في شَهْرِ رَمَضَانَ فلما غَابَتْ الشَّمْسُ قال يا فُلَانُ انْزِلْ فَاجْدَحْ لنا قال يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا قال انْزِلْ فَاجْدَحْ لنا قال فَنَزَلَ فَجَدَحَ فَأَتَاهُ بِهِ فَشَرِبَ النبي  صلى الله عليه وسلم  ثُمَّ قال بيده إذا غَابَتْ الشَّمْسُ من هَا هُنَا وَجَاءَ اللَّيْلُ من هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ)) . صحيح مسلم : 2/772ح 1101.
قال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى:” هذا السفر يشبه أن يكون سفر غزوة الفتح  ويؤيده رواية هيثم عن الشيباني عند مسلم بلفظ: ” كنا مع رسول الله  في سفر في شهر رمضان ” وقد تقدم أن سفره في رمضان منحصر في غزوة بدر وغزوة الفتح , فإن ثبت فلم يشهد ابن أين أوفى بدراً فتعينت غزوة الفتح .
وأما الرجل الذي قال له النبي  : (( انزل فاجدح لي )) فهو بلال أو عمر(1)  وأما الجدح ففسره الإمام النووي رحمه تعالى بقوله: هو بجيم ثم بحاء مهملة وهو خلط الشيء بغيره , والمراد هنا خلط السويق بالماء وتحريكه حتى يستوي , والمجدح عود مجنح الرأس ليساط به الأشربة , وقد يكون له ثلاث شعب”  .
وقال الإمام ابن حجر – رحمه الله – أيضا: ” وفيه تعجيل الفطر وأنه لا يجب إمساك جزء من الليل مطلقاً بل متى تحقق غروب الشمس حل الفطر ” .
وبعد فإن دلالة هذا الحديث على استحباب  تعجيل الفطر في أول وقت الغروب ظاهرة جداً ولا تحتمل أي تأويل فإن النبي  دعا بالإفطار ولا زال الضياء والحمرة من آثار الغروب موجودة حتى ظن الصحابي أن النهار لا يزال موجودا ً, فكان الفطر إذاً بمجرد غروب قرص الشمس وبداية إقبال الليل من جهة المشرق ولم ينتظر النبي  شيئا بعد ذلك لا تحقيقاً ولا احتياطا.
الحديث الثالث : عن أبي عَطِيَّةَ قال : دَخَلْتُ أنا وَمَسْرُوقٌ على عَائِشَةَ فَقُلْنَا : يا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَجُلَانِ من أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ  صلى الله عليه وسلم  : أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الْإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلَاةَ , وَالْآخَرُ يُؤَخِّرُ الْإِفْطَارَ وَيُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ. قالت : ” أَيُّهُمَا الذي يُعَجِّلُ الْإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلَاةَ ؟ ” قال : قُلْنَا : عبد اللَّهِ يَعْنِي :ابن مَسْعُودٍ , قالت: ” كَذَلِكَ كان يَصْنَعُ رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم ” زَادَ أبو كُرَيْبٍ وَالْآخَرُ أبو مُوسَى . .
قال السهارنفوري رحمه الله تعالى:[ قال القارئ:قال الطيبي:الأول عمل بالعزيمة والثاني بالرخصة انتهى.
وهذا إنما يصح لو كان الاختلاف في الفعل فقط أما إذا كان الخلاف قولياً فيحمل على أن ابن مسعود اختار المبالغة في التعجيل وأبو موسى اختار عدم المبالغة فيه وإلا فالرخصة متفق عليها عند الكل ،والأحسن أن يحمل عمل ابن مسعود على السنة وعمل أبي موسى على بيان الجواز](5)
إذا فسنة الرسول التي حفظتها عائشة رضي الله عنها وعرفتها هي تعجيل الإفطار وتعجيل صلاة المغرب بعد غروب الشمس أو إقبال الليل مباشرة وأبو موسى الأشعري رضي الله عنه كأنه كان يفطر في زمن يقارب زمن إفطارنا اليوم وإنما قلنا ذلك لأنه لا يعقل أنه يتأخر أبو موسى حتى يأتي الليل ويظهر النجم وقد نهى رسول  عن ذلك والظاهر أن أبا موسى كان يريد أن يبين للناس جواز تأخير الفطر قليلا وأن إيقاعه في أول الوقت ليس على سبيل الوجوب وكان ذلك لكثرة فطر الناس في أول الوقت حتى اعتقد بعض الناس وجوبه وعدم جواز تأخيره أما نحن اليوم فصرنا نعتقد عدم جواز الفطر في أول الوقت وصارت السنة مجهولة مهجورة فهل فقه في مثل هذا الموقف  هو تأخير الإفطار مادام الفطر واقفاً في زمن الجواز؟لا والله فإن في ذلك إماتة لسنة النبي
شرح مسلم(ج7/209ـ 210)(مكتبة الرياض الحديثة).
الفتح(م4/233).
صحيح مسلم كتاب الصوم (حديث رقم 1099).
بذل المجهود(ج12/157ـ 158)(دار الريان للتراث).

وإيهام الناس أن سنة رسول الله  ضلال مبين ذلك أن الناس يعتقدون اليوم أن تقديم الإفطار في أول الوقت ضلال مبين و انتهاك لحرمة الصوم وأنه يجب الاحتياط في انتظار الليل .
4ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي   قال: ( لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون ) (1)
قال الإمام ابن حجر رحمه الله : [ في حديث أبي هريرة ( لا يزال الدين ظاهراً ) وظهور الدين مستلزم لدوام الخير ] ( 2)
وأما قوله : ( لأن اليهود والنصارى يؤخرون ) فسوف يأتي الحديث عنه إن شاء الله في مبحث آتٍ .
5ـ وعن أنس بن مالك قال : (ما رأيت رسول الله  يصلي حين يفطر ولو على شربة ماء ) (3) .
وفيه أن النبي  كان يقدم الإفطار على الصلاة على الدوام وهو دال على استحباب تعجيل الفطر لأن النبي  كان يصلي الصلاة في أول وقتها كما هو معروف
6ـ وعن أنس رضي الله تعالى أن رسول الله  قال:[بكروا بالإفطار وأخروا السحور](4)
والأمر في الحديث للندم بالإجماع على استحباب تعجيل الفطر فمالا يخفى.
7ـ وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً:[أن معشر الأنبياء أمرنا أن نعجّل إفطارنا ونؤخر سحورنا ونضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة](5)
فتعجيل الفطر من سنن المرسلين التي أمرهم الله عزوجل بها والسنة التي تشرع وتندم في شريعة سائر الأنبياء آكد واخص من ندبية غيرها والعلم عند الله عزوجل.
فكل الأحاديث السابقة تدل على استحباب تعجيل الفطر ولهذا أجمعت الأمة على استحباب تعجيل الفطر .
وكما تواترت الأحاديث في استحباب تعجيل الفطر فقد أجمع العلماء
قال الإمام ابن رشد رحمه الله تعالى:[واجمعوا على أن من سنن الصوم تأخير السحور وتعجيل الفطر](6)
وقال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى:[تعجيل الفطر بعد تيقن الغروب يستحب بالاتفاق](7)

سنن أبي داود(م2/763) (طبعة دار الدعوة).
الفتح (م4/234)
رواه ابن حبان(الإحسان م8/274ـ 3504)والبيهقي 4/239. والحاكم 1/432.
انظر السلسلة الصحيحة للألباني(م4/ح1773).
انظر السلسلة الصحيحة للألباني(م4/ح73/ص376).
بداية المجتهد (م1/569)(طبعة دار المعرفة).
إحكام الأحكام(ح2/ص26)للإمام ابن دقيق العيد. تحقيق أحمد شاكر.(الطبعة الثانية).

المبحث الثاني
شرط استحباب تعجيل الفطر
لاشك أنه يشترط في تعجيل الفطر التيقن من غروب الشمس برؤية جلية لغروب الشمس وإقبال الليل أو الشهادة على تلك الرؤية وأما تعجيل الفطر بمجرد التسرع والعجلة في الوقت قبل أوان الإفطار فإنه انتهاك لحرمة الصيام وفاعلة عامداً على خطر وقد جاء فيه وعيد عظيم ففي الحديث :عن أبي إمامة الباهلي رضي الله عنه قال:سمعت رسول الله يقول:[بينما أنا نائم إذ أتاني رجلان،فأخذا بضبعي ثيابي فأتياني جبلاً وعراً فقالا لي اصعد،فقلت إني لاأصيقه،فقالا:أنا سنسهله لك ،فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا أنا بأصوات شديدة ،فقلت ماهذه الأصوات ؟قالوا:هذا عوى أهل النار،ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دماً ،قال فقلت:من هؤلاء؟قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم] هذا صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.(1)
وعن سعيد بن المسيب قال: [كتب عمر إلى أمراء الأجناد :ألا تكونوا مسرفين بفطركم ولامنتظرين بصلاتكم اشتباك النجوم](2)
فليحذر المرء من اقتحام مايوجب سخط الله عزوجل ولايعمد إلى الفطر وتعجيله إلا بعد التأكد من غروب الشمس يقيناً .
وقد تواترت أقوال أهل العلم في اشتراط هذا الشرط لتعجيل الفطر وننقل في هذا الموضع بعضاً من تلك الأقوال:ـ
1ـ قال الإمام أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله تعالى:[ من السنة تعجيل الفطر وتأخير السحور والتعجيل إنما يكون بعد الاستيقان بمغيب الشمس ولا يجوز لأحد أن يفطر وه شاك هل غابت الشمس أم لا :لأن الفرض إذا لزم بيقين لم يخرج عنه إلا بيقين والله عزوجل يقول:[ ثم أتموا الصيام إلى الليل ](البقرة/187)وأول الليل مغيب الشمس كل في الأفق عن أعين الناظرين ومن شك لزمه التمادي حتى لايشك في مغيبها قال  :(إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم)](3)
2ـ وقال الإمام البغوي رحمه الله تعالى:[والعمل على هذا عند أهل العلم استحبوا تعجيل الفطر بعد تيقن غروب الشمس….](4)
3ـ وقال الإمام القاضي ابن العربي رحمه الله تعالى:[ قدمن في تعجيل الإفطار من التأكيد مافيه كفاية ولا ينبغي يحملكم ذلك على الإسراف فيه حتى تقعوا في الفطر قبل محله وفي غير محله](5)

انظر الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين 2/421 للشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله.
مصنف عبدالرزاق4/225.
فتح البر(7/438).
شرح السنة(6/254)طبعة المكتب الإسلامي)
عارضة الأحوذي (3/222).

4ـ وقال الإمام أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله تعالى:[والمستحب أن يعجل الفطر إذا تحقق غروب الشمس…](1) وسبق قول النووي رحمه الله تعالى:[… فيه الحث على تعجيله بعد تحقق غروب الشمس]
5ـ وقال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى:[تعجيل الفطر بعد تيقن الغروب مستحب باتفاق](2)
6ـ وقال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى:[واتفق العلماء على أن محل ذلك إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية أو بإخبار عدلين وكذا عدل واحد في الأرجح](3)
وأما ماذكره الشيخ العثيمين رحمه الله من جواز الفطر بمجرد الظن فإنما ذلك في حالة العجز عن التحقق والتيقن كما في حادة الغيم التي     عليها رحمه الله وأما في الأصل فقد نقل بالاتفاق على وجوب التيقن فالدليل أخص من….)(4
المجموع (م6/ص359) طبعة دار الفكر.
إحكام الأحكام(ج2/ص26).
الفتح(4/234) طبعة دار الريان.
4 -انظر الشرح الممتع (م6/410).

المبحث الثالث
العلة في استحباب تعجيل الفطر ومتى يكره تأخيره
سبق أن أوردنا حديث أبي هريرة مرفوعاً في استحباب تعجيل الفطر فقد جاء في رواية أبي هريرة النص على علة استحباب تعجيل الفطر وذلك في قوله :[لان اليهود والنصارى يؤخرون] فعلة الاستحباب إذا كما جاء في النص هي حسم مادة المشابهة باليهود والنصارى في تأخيرهم الفطر.قال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى:[زاد أبو هريرة في حديثة:(لأن اليهود والنصارى يؤخرون) أخرجه أبو داود وابن خزيمة وغيرهما وتأخير أهل الكتاب له أمر وهو ظهور النجم وقد روى ابن حبان والحاكم من حديث سهل أيضاً بلفظ(لاتزال أمتي على سنتي مالم تنتظر بفطرها النجوم)وفيه بيان العلة في ذلك.قال المهلب:والحكمة في ذلك أن لايزاد في النهار من الليل ولأنه أرفق بالصائم وأقوى له على العبادة](1)
وفي قوله  :( لاتزال أمتي على سنتي مالم تنتظر بفطرها النجوم)دليل على أن تأخير الإفطار لايكره إلا إذا تأخر حتى تشتبك النجوم في السماء كما كان أهل الكتاب يفعلون وأما قبل ذلك فلا كراهة ويشترك كذلك قصد التأخير لظن الفضيلة وهذا يلحظ من قوله :(مالم تنتظر …) ففيه إشارة إلى أنهم يقصدون ذلك الوقت وإظلام الظلام ولهذا كله قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:[وأحب التعجيل الفطر وترك تأخيره وإنما اكره تأخيره إذا عمد ذلك كأنه يرى الفضل فيه](2)
وهذا يدل على فقه رحمه الله ونظره الثاقب في الأحاديث.
وقال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله بعد أن نقل معنى كلام الشافعي عنه:[ومقتضاه أن التأخير لايكره مطلقاً وهو كذلك ا لم يلزم من كون الشيء مستحباً أن يكون نقيضه مكروهاً مطلقاً](3)
وقال الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى،في آخر شرحه لحديث سهل بن سعد الساعدي:[قلت وفي إباحة المواصلة إلى السحر كما في حديث أبي سعيد مايدل على أنه
1-الفتح(4/234).
2-الأم(م1/ج2/106) طبعة دار الفكر (1410هـ ـ 1990م)
3-الفتح(م4/235).
لاكراهة إذا كان ذلك سياسة للنفس ودفعاً لشهواتها إلا أن قوله:[الحديث العاشر وللترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال:قال الله عزوجل أحب عبادي أعجلهم فطراً ،دال على أن تعجيل الإفطار أحب إلى الله تعالى من تأخيره وان إباحة المواصلة إلى السحر لاتكون أفضل من تعجيل الإفطار،أو يراد بعبادي الذين يفطرون ولا يواصلون إلى السحر](1)
وحديث أبي سعيد الذي أشار إليه هو مارواه البخاري عن أبي سعيد رضي الله عنه انه سمع النبي يقول:[لاتواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر](2)
وأما حديث (أحب عبادي أعجلهم فطراً(فهو حديث ضعيف وان كان معناه صحيحاً وقال الإمام أبو عبدالله محمد بن إبراهيم بن خليل المالكي في شرح رسالة القيروان:[((ومن السنة تعجيل الفطر)) ليتقوى به قيام الليل ،مالم يقع الفطر في الوقت المشكوك فيه،وتعجيله بأن لايؤخر بعد الغروب على وجه التشديد والمبالغة واعتقاد منع الفطر عند الغروب على حسب مايفعله اليهود وأما من آخره لعارض أو اختياراً مع اعتقاد أن صوته قد كمل بغروب الشمس فلا كراهة،رواه ابن نافع](3)
وقد دل مافقلنا عن الأئمة على أن تأخير الفطر إنما يكره إذا كان التأخير على وجه التشديد والمبالغة والظن أن فيه الفضل أما مجرد التأخير فلا كراهة فيه،كيف وقد ذكرنا أن أبا موسى رضي الله عنه كان يؤخر الفطر مما يدل على جوازه.بل قد ثبت ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه كذلك،قال الإمام ابو عمر بن عبد البر رحمه الله تعالى:[وروى ابن وهب عن مالك وعمرو بن الحارث ويونس بن يزيد عن ابن شهاب،عن انس بن مالك قال:قال رسول :[إذا قرب العشاء وحضرت الصلاة فأبدوا به قبل أن تصلوا المغرب ،الا أن مالكاً قال في حديثه :فأبدوا بالعشاء ولاتعجلوا على عشائكم فكان الأمر على ذلك فلما ولي عمر بن الخطاب خشي أن يطول المكث على العشاء  فقدم الصلاة على العشاء ثم فعل ذلك عثمان بن عفان وهذا حديث غريب لمالك عن الزهري عن انس صحيح،وفي الموطأ بإثر هذا الحديث :مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود قبل أن يفطرا،ثم يفطران بعد الصلاة وذلك في رمضان ](4)
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى:(وأما مارواه مالك والشافعي والبيهقي بأسانيدهم الصحيحة عن حميد ابن عبدالرحمن (( أن عمر وعثمان رضي الله عنهما كانا يصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود ثم يفطران بعد الصلاة وذلك في رمضان)) فقال البيهقي في المبسوط قال الشافعي كأنهما يريان تأخير الفطر واسعاً
لأنهما يتعمدان فضيله في ذلك ونقل المارودي أن أبابكر وعمر رضي الله عنهما كانا يؤخران الإفطار وأجاب بأنهما أرادا بيان جواز ذلك لئلا يظن وجوب التعجيل وهذا التأويل ظاهر فقد روى البيهقي بإسناده الصحيح عن عمرو بن ميمون وهو من أكبر التابعين قال:(كان أصحاب محمد أعجل الناس إفطاراً وأبطأهم سحوراً)(5)
فتبين بهذا كله أن علة كراهة تأخير الفطر هي مشابهة اليهود وأنّ الكراهة إنما هي إذا عمد ذلك كأن يرى فيه الفضل كما نص على ذلك الإمام الشافعي رحمه الله تعالى.

1) سبل السلام 1/كتاب الصيام (ج/9ـ 10)
2) الفتح 4/238 (طبعة الريان)
3) تنوير المقالة بشرح الرسالة 3/127 تحقيق د. محمد عايش عب العال شيد.
4) فتح البر 7/436ـ437
5)المجموع للنووي مع شرح الرافعي 6/361ـ362 طبعة دار الفكر.

المبحث الرابع
متى فطر الصائم
قال بخاري أهل المغرب الإمام أبو عمر بن عبد البر عليه رحمه الله تعالى:(اجمع العلماء على أنه إذا حلت صلاة المغرب فقد حل الفطر للصائم،فرضاً وتطوعاً،واجمعوا أن صلاة المغرب من صلاة الليل ،والله عزوجل يقول ثم أتموا الصيام إلى الليل)(1)
وقال الإمام البخاري رحمه الله تعالى:(43ـ باب ـ متى فطر الصائم:وأفطر أبو سعيد الخدري حين غاب قرص الشمس )(2)
قال الإمام ابن حجر رحمه الله تعالى:(قوله:ومتى يحل فطر الصائم)غرض هذه الترجمة الإشارة إلى انه هل يجب إمساك جزء من الليل لتحقق مضي النهار ام لا؟وظاهر صنيعه يقتضي ترجيح الثاني لذكره لأثر أبي سعيد في الترجمة لكن محله إذا حصل تحقق غروب الشمس،قوله:(وأفطر أبو سعيد حين غاب قرص الشمس)وصله سعيد بن منصور وابوبكر بن لبي شيبه من طريق عبدالرحمن بن ايمن عن أبيه قال:(دخلنا على أبي سعيد فأفطر ونحن نرى أن الشمس لم تغرب) ووجه الدلالة منه أن أبا سعيد لما تحقق غروب الشمس لم يطلب مزيداً على ذلك ولا التفت إلى موافقة من عنده على ذلك،فلو كان يجب عند إمساك جزء من الليل لاشترك الجميع في معرفة ذلك والله أعلم)(3)
ثم ذكر البخاري رحمه الله في الباب حديثين:
الحديث الأول:عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:قال رسول :[إذا أقبل الليل من هاهنا،وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم](4)
قال الإمام ابن دقيق العيد عليه رحمة الله تعالى:(الإقبال والإدبار متلازمان اعني إقبال الليل وإدبار النهار وقد يكون أحدهما أظهر     في بعض المواضع فيستدل بالظاهر على المخفي كما لو كان في جهة المغرب مايستر البصر عن إدراك الغروب وكان المشرق بارزاً ظاهراً فيستدل بطلوع الليل على غروب الشمس](4) فالمعتبر لوقت الإفطار هو غروب قرص الشمس كاملاً ويلازم ذلك إدبار النهار في جهة الغروب وإقبال الليل في جهة المشرق أي ظهور الظلمة حساً كالخيط على رؤوس الجبال وإنما ذكر النبي هذه الثلاثة مع تلازمها كما ذكر ذلك الإمام الجليل وهو أنه قد يكون أحدهما أظهر للعين في بعض المواضع فيستدل بالظاهر على الخفي ولتلازم هذه الثلاثة أيضاً فانه يستحيل أن تكون الشمس قد غربت ولازال المشرق مضيئاً لم تظهر فيه الظلمة فمن كان لايحجبه عن الشمس شيء البتة فانه يعتمد غياب آخر جزء من قرص الشمس ولايهمه أن ينظر فيما سواه ومن كان بينه وبين الشمس مايحجبه عن رؤيتها كالبيوت والأكمات وماشابه ذلك فلتكن له نظرة إلى جهة المشرق ليتبين إقبال الليل حتى يستيقن غروب الشمس.
وأما قوله  :[ فقد أفطر الصائم] فمعناه:دخل في وقت الإفطار على الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى:[وقوله عليه السلام :[فقد أفطر الصائم] يجوز أن يكون المراد به:فقد حل له الفطر.ويجوز أن يكون المراد به فقد دخل في الفطر وتكون الفائدة فيه أن الليل غير قابل للصوم وأنه بنفس دخوله خرج الصائم من الصوم فتكون الفائدة على الوجه الأول:ذكر العلاقة التي يها يحصل جواز الإفطار.وعلى الوجه الثاني:بيان امتناع الوصال،بمعنى الصوم الشرعي لا بمعنى الإمساك الحسي](5)
الاستذكار 10/42.
صحيح البخاري مع الفتح 4/231.
الفتح 4/231.
متفق عليه.
إحكام الأحكام(ج2/ص27).

والأول هو الراجح لإجماع الأمة على استحباب تعجيل الفطر ولو كان الصائم يفطر بمجرد دخول الليل لما كان لتعجيل الفطر معنى.ولهذا قال الإمام الصنعاني عليه رحمة الله تعالى :[وأما حديث عمر في الصحيحين مرفوعاً :[إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم ] فانه لاينافى الوصال ولا استقام الإذن بالوصال إلى السحر](1)
فظهر بهذا كله أن وقت فطر الصائم يبدأ بغروب قرص الشمس غروباً متيقناً ويعرض ذلك بمشاهدة الشمس إذا لم يكن بين الرائي وبينها حاجزاً أو إقبال الليل من جهة المشرق وحينذاك يستحب الفطر بلا تأخر.
الحديث الثاني: عن عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال:[كنا مع رسول الله في سفر وهو صائم،فلما غابت الشمس قال لبعض القوم:يافلان قم فاجدح لنا فقال:يارسول الله لو أمسيت،قال: انزل فاجدح لنا،فنزل فجدح لهم،فشرب النبي  ثم قال:إذا رأيتم الليل قد أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم](2) وقد سبق أن أوردنا الحديث بأخصر مما هاهنا في [المبحث الأول] وأوردنا هناك بعض مايتعلق بشرحه ونكتفي هنا بما ذكره الإمام النووي رحمه الله تعالى في بيان معنى الحديث حيث قال:[معنى الحديث أن النبي وأصحابه كانوا صياماً وكان ذلك في شهر رمضان كما صرح به في رواية يحيى بن يحيى فلما غربت الشمس أمره النبي بالجدح ليفطروا فراعى المخاطب آثار الضياء والحمرة التي بعد غروب الشمس فظن أن الفطر لا يحل إلا بعد ذهاب ذلك واحتمل عنده أن النبي  لم يرها فأراد تذكيره وإعلامه بذلك ويؤيد هذا قوله :(أن عليك نهارا) لتوهمه أن ذلك الضوء من النهار الذي يجب صومه وهو معنى(لو أمسيت) أي تأخرت حتى يدخل المساء وتكريره المراجعة لغلبة اعتقاده على أن ذلك نهار يحرم فيه الأمل مع تجويزه أن النبي لم ينظر إلى ذلك الضوء نظرا تاما فقصد زيادة الإعلام ببقاء الضوء](3)
فوقت الفطر إذا يبدأ بمجرد غروب الشمس وإقبال الليل من جهة المشرق وواضح جدا أن النبي لم ينتظر شيئاً فوق ذلك من أجل الاحتياط كما يزعم البعض ولست أظن مسلماً يعتقد أن هدي النبي خير الهدي ثم يزعم التورع والاحتياط في الوضع الذي لم يأخذ بالاحتياط فيه رسول الله .
فهذه أحاديث رسول الله  تبين هدية وطريقته في تعجيل الإفطار وهذا شرحها من أشهر الشروح وأدقها وأوسعها فمن أين للناس اليوم انه لابد من إظلام الظلام حتى يدخل وقت الإفطار؟ومن أين لهم الاحتياطات التي تباين سنة الرسول  وتخالفها ؟

سبل السلام ـ كتاب الصيام (حديث 13)
رواه البخاري ومسلم انظر صحيح البخاري مع الفتح 4/231.
3) شرح مسلم 7/209ـ210مكتبة الرياض الحديثة

خلاصة ونصح
إن خلاصة ماتم تقريه وبيانه في هذه الرسالة هو كالآتي:
1ـ أن تعجيل الفطر مستحب باتفاق العلماء وقد تواترت في فضله وسنيته الأحاديث وأن داوم الخيرية في هذه الأمة بدام حفاظها على هذه السنة.
2ـ أن استحباب تعجيل الفطر مشروط بتيقن غروب الشمس باتفاق.
3ـ أن تأخير السحور قد يكون مباحاً وقد يكون مكروهاً وإنما يكره إذا عمد ذلك كأنه يرى فيه الفضل.وان العلة من كراهة تأخيره هي حسم مادة المشابهة بأهل الكتاب.
4ـ أن وقت فطر الصائم يبدأ بغروب قرص الشمس كاملاً وإدبار النهار من جهة المغرب وبإقبال الليل من جهة المشرق،وان السنة هي عدم اعتبار أي احتياطات في ذلك وفي ختام هذه الرسالة اوجة هذه النصائح انطلاقاً من قوله:
[الدين النصيحة] فأقول:
النصيحة الأولى:
ونتوجه بالنصيحة الأولى إلى علماء أهل السنة والجماعة والى أهل القدرة والصوت المسموع فيهم بأن تذكرهم أن من الواجب عليهم بيان هذه السنة للناس والسعي من أجل تثبيتها وإلغاء ما وضعه المتنطعون من احتياطات ماأنزل الله بها من سلطان،لاسيما وان عامة الناس لن تعارض هذه السنة لما تجرّه من تيسير،خصوصاً أنها سنة متفق عليها بإجماع المسلمين،وقد بينها ودعا لها علماء محققون لن يختلف عليهم كالإمام ابن عبد البر والإمام ابن دقيق العيد والإمام ابن حجر وغيرهم رحمهم الله تعالى.
فالعلماء عليهم البيان والتوجيه،وأهل الصوت المسموع عليهم السعي والأمر ويدل في هؤلاء من له بعض ولاية بأي صورة من الصور ويدخل فيهم كذلك من له صوت مسموع في الناس بسبب علمه بالمواقيت وخبرته في ذلك مثلاً.
ولكل من ساهم في نشر هذه السنة وإشاعتها بين الناس سعي مشكور عند الله تعالى مادام رائد الإعمال هو الإخلاص.
النصيحة الثانية:
ونتوجه بالنصيحة الثانية إلى طلاب العلم قائلين لهم:
إن حب سنة المصطفى أمر عظيم ومحمدة،وكره التنطع في الدين دليل على الخير وعلى السير على طريق السلف الكريم،ولكن ينبغي أن نفرق بين ماهو سنة باتفاق وماهو مختلف في سنيته،وبين ماهو عند التحقيق على خلاف السنة ،والتفريق بين هذه الأمور يحتاج إلى علم وتحري وتأدب مع الأئمة المتقدمين ،وإذا ثبتت السنة باتفاق فلا ينبغي أن تقوم على كل شيء فلابد من مراعاة قواعد الشرع والنظر في المقاصد التي جاءت من أجلها الشريعة،فإن ترك مسائل الاختيار مخافة الفتنة قاعدة شرعية و(ليس كل علم مما هو حق يطلب نشره) فإذا كان نشره ترك السنة بكاملها من قبل العوام ورجوعهم إلى أهل البدعة بل والوقوع في الشرك فان الحكمة تقتضي تأخير السنة وحمل الناس عليه بالتدرج ولو مضت على ذلك السنين،وقد ترك النبي بناء الكعبة على قواعد إبراهيم عليه السلام خشية الفتنة على أصحابه وهو هم،وكذلك فان بعض السنة لها ضوابطها وحدودها فلا ينبغي تجاوز ذلك،ومهم جداً إتباع علماء أهل البلد من أهل السنة والجماعة والتيقن بفتواهم ،وترك إثارة العوام بماهو مستنكر عندهم،ولعل من ذلك ما انتشر في الآونة الأخيرة من الفطر قبل أذان المغرب عند العوام من وسط المسجد مع أن المفطر لايرى غروب الشمس ولا إقبال الليل ولا يعرف العوام هذه المسألة،فينفر العوام من ذلك الفعل واستنكروه جداً .
ونحن بين سخرية الصوفية ومكر العلمانيين والمنافقين،نسأل الله السلامة،أسال الله العلي القدير أن يكتب لكلماتي هذه القبول عنده ثم القبول عند الناس انه ولي ذلك والقادر عليه.
وكتبه أبو مجاهد
صالح بن محمد باكرمان

زر الذهاب إلى الأعلى