ما هي العلمانية وما حكمها

رقم الفتوى ( 3122 )

السؤال : ما هي العلمانية؟ وكيف ترد على صاحب الفكر العلماني؟ وما حكم العلمانية في الإسلام؟

الجواب : العلمانية أو اللادينية: هي فصل الدين عن السياسة، أو فصل الدين عن الحياة . والعلمانية فكرة غربية ولدت في بيئة الانحراف الديني، واضطهاد الكنيسة، وتقديس رجال الدين، ومحاربة العلم، مما أدى إلى تسخط الناس على الدين في أوربا ونشوء الأفكار والمعتقدات والمذاهب اللادينية.
والعلمانية لا تتناسب مع بيئة وواقع المجتمع الإسلامي، فالإسلام يقوم على أساس التوحيد الذي يتناسب مع العقل والعلم، والقرآن هو المصدر شعت منه حضارة الإسلام، وللعلم والعلماء في القرآن والإسلام أسمى مكانة، ولا تصادم في الإسلام بين النصوص الشرعية والعلم، وليس لعلماء الإسلام قداسة وإنما لهم احترام وتقدير لتخصصهم في دراسة الشريعة.
ولكن اليهود ونصارى العرب والاستعمار الغربي والمتغربين من أبناء المسلمين بذلوا جهدهم لجلب فكرة العلمانية لبلاد المسلمين بهدف إبعاد الناس عن دين الإسلام الذي هو مصدر عزهم وقوتهم وسبب اجتماعهم وقيام حضارتهم.
والعلمانية في الإسلام فكرة باطلة تتنافى مع مبادئ الإسلام عقيدة وشريعة:
– فالعلمانية تعطي حق وضع الأسس والقواعد والمبادئ في السياسة للبشر، والإسلام تنص عقيدته على أن الحق في الحكم ووضع القوانين والمبادئ والأصول والمنطلقات لكل نواحي الحياة ومنها السياسة والاقتصاد أن الحق في ذلك لله عز وجل وحده:

قال الله عز وجل: *(إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)* [سورة يوسف: 40].

وقال الله عز وجل: *(أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ۚ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)* [سورة اﻷنعام: 114].

وقال الله عز وجل: *(أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)* [سورة المائدة: 50].
فمن أعطى الحق في التشريع ووضع الأحكام والقوانين العامة في العقائد أو العبادات أو السياسة أو الاقتصاد أو نحو ذلك لغير الله عز وجل فقد أشرك بالله غيره في الحكم، قال الله عز وجل: *(وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)* [سورة الكهف: 26].
وقال جل جلاله: *(اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)* [سورة التوبة: 31]. وإنما اتخذوهم أربابا بطاعتهم في التشريعات العامة والتحليل والتحريم.
والعلمانية ترفض بناء السياسة والاقتصاد ونحو ذلك من نواحي الحياة على أسس دينية ووفق النصوص الدينية، والإسلام جاء ليكون منهجا للناس في كل نواحي الحياة ولتكون شريعته هي الحاكمة :
قال الله عز وجل: *(ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)* [سورة الجاثية: 18].

وقال الله تعالى: *(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)* [سورة المائدة: 48].
وقد فصل الله عز وجل في القرآن مبادئ السياسة والحكم، ومما جاء في ذلك:
– *(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)* [سورة النساء: 58 – 59].
– وقال تعالى: *( وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ )* [سورة الشورى: 38].

وقد فصل الله عز وجل في كتابه العزيز تشريع العقوبات والحدود وبين حد القتل وحد الزنا وحد السرقة وحد شرب الخمر وحد القذف وحد الحرابة والحكم في الجروح وغير ذلك.
وفصل الله عز وجل في كتابه العزيز تشريع العلاقات بين الدول والأمم في السلم والحرب.
وفصل الله عز وجل في كتابه العزيز تشريع الاقتصاد والمال فيما يتعلق بحق التملك وأحكام الزكاة وأحكام الجزية وأحكام الغنيمة والفيء، وغير ذلك.
وفصل الله عز وجل في كتابه العزيز تشريع الحلال والحرام والعقود والمعاملات، وحرم الظلم والربا وأخذ أموال الناس بالباطل.
ومن أنكر شيئا مما جاء به القرآن أو رده ولم يقبله فقد كفر وخرج من ملة الإسلام بإجماع المسلمين، قال الله عز وجل: *(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)* [سورة النساء: 65]. وقال الله عز وجل: *(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)* [سورة المائدة: 44].
هذا من حيث الحكم المطلق وأما الحكم على الأعيان فلابد فيه من تحقق شروط وانتفاء موانع، ولكن ليعلم الذي يتبنى الفكر العلماني أنه يقع في الكفر والخروج من الإسلام بالكلية أو يقارب ذلك إذا جهل أو تأول.

زر الذهاب إلى الأعلى