خطبة أحكام قضاء الصوم -مفرغة-

الخطبة الأولى

الحمدلله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه . وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، تعظيماً لشأنه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه ، وعلى آله ، وأصحابه ، وإخوانه .

أما بعد : أيها المسلمون – عباد الله – اتقوا الله حق تقواه .

﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢]

عباد الله ، إنَّ صوم رمضان فرض على كل مسلم ، عاقل بالغ ، مُطيقٍ للصوم ،  فمن تمَّت فيه هذه الشروط الأربعة ، وجب عليه صوم رمضان أداء ، أو قضاء ، حالاً أو مآلاً .

وثَمَّةَ شروط ثلاثة أخرى ، إذا تمَّت وجب على المسلم الصوم أداء ، وحالاً ، وهذه الشروط الثلاثة هي :

  • أن يكون صحيحاً غير مريض .
  • وأن يكون حاضراً غير مسافر .
  • وأن تكون المرأة طاهرة ليست بحائض ولا نفساء .

ومن نقص عليه شرط من هذه الشروط الثلاثة ، وجب عليه قضاء رمضان ، وجب عليه قضاء ما عليه من الصوم.

وحديثنا اليوم عن قضاء الصوم ، وعن مسائل في قضاء الصوم .

المسألة الأولى :  يجب على كل مسلم ، لم يُؤَدِّ صوم رمضان ، أو لم يُؤَدِّ بعض صوم رمضان بعذر ، أو بغير عذر ، يجب عليه أن يقضي رمضان ، أو ما بقي عليه من أيام رمضان .

قال الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العزيز :﴿… فَمَن كانَ مِنكُم مَريضًا أَو عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أَيّامٍ أُخَرَ… ﴾ [البقرة: ١٨٤]

والمعنى فمن كان منكم مريضاً ، أو على سفر ، فأفطر فواجبه أو عليه عدة من أيام أخر ، وهذا هو القضاء .

فأوجب الله – عزوجل – القضاء على المريض ، إذا أفطر في رمضان ، و أوجب الله – عزوجل – القضاء على المسافر ، إذا أفطر في رمضان .

وفي معنى المريض المغمى عليه ، عند الشافعية وغيرهم .

وفي معنى المريض المرأة الحامل ، إذا أفطرت خوفاً على نفسها .

وفي معنى المريض المرأة المرضع ، إذا أفطرت خوفاً على رضيعها .

ومسائل أخرى تلحق بذلك .

وأما الحائض والنفساء ، فقد جاء في الحديث أنَّ مُعَاذَةَ سألت عائشة – رضي الله عنها – ، فقالت لها : ” مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ ؟ فَقَالَتْ : أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ ؟ قُلْتُ : لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ. قَالَتْ : كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ. رواه البخاري ، ومسلم ، واللفظ لمسلم .

فالمريض إذا أفطر ، والمسافر إذا أفطر، والحائض والنفساء ، ومن لحق بهم ممن أفطر بعذر ، وجب عليهم القضاء . هذا في أصحاب الأعذار .

وأما من أفطر بغير عذر، أفطر متعمداً ، منتهكاً لحرمة الشهر ، فاجراً ، فاسقاً ، فالذي عليه جمهور العلماء ، أنَّه يجب عليه القضاء ؛ لأنَّه قد وجب عليه الصوم ، ولم يُؤَدِّ الصوم ، فلم تزل نفسه مشغولة بالصوم ، ولم تبرأ نفسه ، وذمته من الصوم ؛ و لأنَّه أولى بالقضاء من المعذور ، على هذا جمهور العلماء من السَّلف والخلف .

وذهب بعض العلماء إلى أنَّ الذي يفطر متعمداً ، لا يُقبل منه قضاء ؛ لأنَّه أفجر ، وأقبح ، وأبعد عن الله – عزوجل – مِن أنْ يكفر عنه ذنبه ، فذنبه أعظم من أن يكفر عنه بالقضاء ونحوه .

والراجح أنَّه يجب عليه القضاء ، وإن كان آثماً ، فاجراً ، فاسقاً .

 

المسألة الثانية : الفورية والتراخي في القضاء .

القضاء  :

  • قد يكون واجباً على الفور .
  • و قد يكون واجباً على التراخي والسعة .

فأما من أفطر بغير عذر ، فإنَّه يجب عليه القضاء فوراً ، ولا يجوز له أن يتأخر عن القضاء ؛ لأنَّه ترك الصوم عمداً ، آثماً بتركه ، فيجب عليه أن يقضي ما أفطره بعد عيد الفطر مباشرة ، عليه أنْ يعجِّل بالصوم ، وأنْ يعجِّل بالقضاء ، وأن يتابع القضاء .

وأما من ترك الصوم بعذر من الأعذار ، فإنًّ القضاء في حقه على التراخي والسعة ، وليس على الفور .

ووقت القضاء في حق من ترك الصوم بعذر ،  يبدأ من بعد عيد الفطر إلى آخر يوم من شعبان ،  قبل رمضان الآخر .

فهذا كله وقت للقضاء ، يقضي بعد العيد مباشرة ، أو في وسط السَّنة ، أو في آخر  السَّنة قبل رمضان .

وقد جاء عن عَائِشَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – أنَّها قالت : ” كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ، الشُّغْلُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ. ” رواه البخاري ، ومسلم.

أي لانشغالها بحقوق النبي – صلى الله عليه وآله وسلم –  وهذا هو ظاهر النص ، فإنَّ الله – سبحانه وتعالى – قال : ( ﴿… فَعِدَّةٌ مِن أَيّامٍ أُخَرَ … ﴾ ولم يحدد هذه العدة ، ولم يقيدها بقيد .

المسألة الثالثة : لا يجب التتابع في قضاء الصوم ، في حق من أفطر بعذر ، فيجوز له أنْ يُجزِّئ القضاء ، يجوز له أن يقضي :

  • بعض الأيام بعد العيد مباشرة .
  • وبعضها في وسط السَّنة .
  • وبعضها في آخر السَّنة .

فلا حرج عليه في ذلك .

المسألة الرابعة : يجب تبييت النية في صوم القضاء ، كما يجب تبييت النية في صوم رمضان .

كل صوم مفروض على المسلم ، لا يجوز ، ولا يُقبل ، ولا يصح إلا بنية مبيَّتة من الليل قبل الفجر ؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم –  قال : ” مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ “. رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه .

من لم يُجْمِعِ النية من الليل فلا صوم له ،من لم يُجْمِعِ أي لم يعزم على النية من الليل ، وهذا في صوم الفرض ، ومنه صوم القضاء .

فإذا أراد المسلم أن يقضي شيئاً عليه ، فعليه أن يبيِّت النية من الليل ، ولا يصح منه القضاء بنية من الفجر ( من بعد الفجر ) ، أو من وسط النهار ، ولو لم يأكل ، ولم يشرب ، ولم يقترف شيئاً من المفطرات .

المسألة الخامسة : من ترك القضاء حتى جاء رمضان الآخر .

هو في سعة من أمره ، ولكنَّه لم يقضِ في هذه السعة ، بل ترك القضاء حتى جاء رمضان الآخر  ، ولم يقضِ بَعدُ ، فإنَّه يجب عليه القضاء بعدَ رمضان ، وبعدَ العيد .

وهل يجب عليه مع القضاء شيء آخر ؟

فيه تفصيل : إن ترك المسلم أو المسلمة القضاء ، ولم يستطع أن يقضي في سَنته بعذر ،  حتى جاء رمضان الآخر ،  فليس عليه شيء ، ليس عليه حرج ، ولا إثم ، وليس عليه شيء بعد القضاء ، بل يجب عليه أن يقضي ما عليه بعد رمضان ، وبعد العيد الحاضر ؛ لأنَّه معذور  :

كالمرأة تكون مرضعة ، أو المرأة تكون حاملاً ، ولا تستطيع أن تقضي ، وكالرجل يكون مريضاً ضعيفاً ، أو المرأة تكون مريضة ضعيفة ، فيكون عنده عذر من أعذار الفطر ، ويستمر معه العذر إلى أن يأتي رمضان الآخر ، فهذا ترك القضاء بعذر آخر ، فليس عليه حرج ، ولا إثم ، وعليه أن يقضي بعد رمضان الحاضر وبعد العيد .

وأما إنْ ترك المسلم أو المسلمة القضاء خلال سَنته حتى جاء رمضان الآخر ، وليس عنده عذر في هذا التأخير ، فإنَّه يأثم بذلك ، يأثم بهذا الفعل وبهذا الإهمال ؛ لأنَّه ترك الفرض والقضاء حتى خرج وقته .

وهل يلزمه شيء مع القضاء ، بعد أن يقضي بعد رمضان الحاضر ؟

ذهب جمهور العلماء ومنهم الشافعية إلى أنَّه يجب عليه أن يقضي ، ويجب عليه مع قضاء كل يوم ، أنْ يُطعم مسكيناً مُدّاً من طعام ، أو بُرّ ، أو ذرة ، أو رز ونحو ذلك .

يجب عليه مع القضاء الفدية ؛ لأنَّه أخر القضاء بغير عذر ، وهذا هو قول جمهور العلماء ؛ لأنَّ ذلك قد ورد عن ستة من الصحابة ، عن ابن عباس – رضي الله عنه – وابن عمر ، وأنس ، وأبي هريرة وغيرهم ، أنَّهم ألزموا من ترك القضاء بغير عذر بالقضاء والفدية ، ولا مخالِف لهم من الصحابة ، فلْننتبه لذلك عباد الله .

أقول ما سمعتم ، وأستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم .

 

الخطبة الثانية

 

الحمدلله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد :

أيها المسلمون – عباد الله – اتقوا الله حق تقواه .

عباد الله ،

والمسألة السادسة من مسائل القضاء : أنَّ القضاء لا يجب إلا بشرط التمكُّن .

القضاء على المسلم أو المسلمة ، لايلزم إلا بشرط التمكن من القضاء ؛ لأنَّ الله – سبحانه وتعالى – قال : ﴿… فَمَن كانَ مِنكُم مَريضًا أَو عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أَيّامٍ أُخَرَ … ﴾ [البقرة: ١٨٤]

أي فمن كان منكم مريضاً ، أو على سفر ، فأفطر  فواجبه عدة من أيام أخر ، ﴿…فَعِدَّةٌ مِن أَيّامٍ أُخَرَ … ﴾ وهذا شرط في القضاء ، أن توجد عدة من أيام أخر ، يستطيع فيها المسلم أن يقضي ، وأما إذا لم تأتِ عدة من أيام أخر ، يستطيع فيها المسلم أن يقضي ، فإنَّه لا يلزم القضاء ، بمعنى أنَّ المسلم إذا مَرِض ، فترك الصوم في مرضه ، واستمر معه المرض حتى مات ، فإنَّه لا يلزمه قضاء ؛ لأنَّها لم تأتِ عدة من أيام أخر ، يتمكن فيها من القضاء .

وكذلك المسافر ، إذا سافر فأفطر ترخصاً بالسفر ، واستمرَّ في السفر ، و لم يرجع ( مات ) في سفره ، أو مات بعد سفره مباشرة ، ولم يجد عدة من أيام أخر ، يتمكن من القضاء فيها ، فإنَّه لا يلزمه الصوم .

وينبغي أن نعلم أنَّه إذا تمكن من بعض الأيام ، وجبت عليه ، فمن كان مريضاً فأفطر ، كأن يكون أفطر عشرة أيام ، واستمر معه المرض ، ثم شفاه الله – سبحانه وتعالى –  شفاء تاماً ، ومكث خمسة أيام ، ثم مات .

أفطر عشرة أيام ، وتمكن من قضاء خمسة أيام ، ولم يقضِ ، لزمه خمسة أيام ، ولم تلزمه الخمسة الأخرى ، لأنَّه لم يتمكن .

فما تمكن من القضاء فيه لزمه ، وما لم يتمكن من القضاء فيه لم يلزمه ، وهذا يفيدنا في المسألة التي بعد هذه ، وهي المسألة السابعة .

المسألة السابعة : من مات وعليه قضاء ، صام عنه وليُّه .

كما جاء في الحديث عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أنَّه قال : ” مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ “. رواه البخاري ، ومسلم .

فإذا مات المسلم وعليه صوم ، لم يقدر على قضائه ، فإنَّنا نُلزم الولي بأحد اثنين :

  • إما أن يصوم عنه .
  • وإما أن يخرج الفدية .

فالولي مخير بين اثنين – ( الأولياء الأقرباء من أب ،  وابن ،  وزوجة ،  وأم ،وبنت ، وأخت ، هؤلاء الأولياء يصومون عن أقربائهم ، الذين ماتوا وعليهم صوم ) – الولي مخير بين اثنين :  أن يصوم عن قريبه الميت ما عليه من أيام ، أو أن يفدي و أن يطعم عنه عن كل يوم مسكينا ، مُداً من طعام (ستمائة جرام ) ، وبالشرط الماضي .

إذا سأل الأولياء عن الصوم عن قريبهم الذي مات ، نقول لهم :  قريبكم هذا الذي كان مريضاً ، هل شفاه الله – عزوجل – بعد مرضه ، وتمكن من أن يصوم ولم يصم ؟

فإن قالوا: نعم ،قلنا: عليكم أن تصوموا  عنه ، أو تُفدوا .

وأما إن كان قريبكم مَرِض،  واستمر به المرض إلى الموت ، فإنَّه لم يتمكن من الصوم ، وليس عليه صوم ، فلا يلزمكم عليه شيء ، لا صوم ولا فدية .

ويجوز للأولياء أن يقسموا الأيام بينهم ، يجوز إذا كانت على قريبهم خمسة أيام ، أن يوزعوها على خمسة ، ويجوز لهم أن يصوموا هذه الخمسة في يوم واحد ، كلُّ ذلك فيه سعة .

 

المسألة الثامنة : هل يجوز القضاء ، والصوم بعد انتصاف شعبان ؟

جاء في الحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنَّ النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قال : ” إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا “رواه أبو داود ، وغيره من أصحاب السنن .

” إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا ” وقد اختلف العلماء في هذا الحديث بين مصحِّح له ، ومضعِّف .

فصححه الإمام الشافعي – رحمه الله تعالى – وقال به ، وقال : إنَّه إذا انتصف شعبان ، فلا يحل للمسلم الصوم  بشروط :

  • إذا كان لم يصم في أول الشهر ؛ لأنَّ النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – كان يصوم شعبان أو أكثره ، فكان يصوم في آخره قطعاً ، فيُحمل الحديث على من يريد الصوم بعد الانتصاف ، وأما إذا صام قبلُ ، ومضى في صومه ، فله أن يصوم في النصف الآخر من شعبان .

وأما إذا أراد المسلم أن يصوم في شعبان ، وانتظر حتى انتصافه ، ثم بعد أن انتصف أراد أن يصوم ، يقول الإمام الشافعي – عليه رحمة الله – : يحرم عليه الصوم .

وعللوا ذلك بأنَّ الصوم يُضعفه عن رمضان ، ونحو ذلك من التعليلات .

  • والشرط الثاني : ألا يكون الصوم من الصوم المستحب ، المندوب بأحاديث أخرى ، كصوم يوم الاثنين، والخميس، والبيض فهذه من كانت له عادة فيها ، فإنَّه يصومها ولو بعد انتصاف شهر شعبان .

وذهب الإمام أحمد – عليه رحمة الله – إلى ضعف الحديث ، والحكم عليه بالنكارة ؛ لأنَّ النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قال – في حديث آخر في البخاري ومسلم – : ” لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ ”

ومفهومه يجوز أن تقدموا رمضان بصوم ثلاثةٍ ، وأربعة ، وخمسة ، فيدل مفهومه على جواز الصوم في النصف الثاني من شعبان .

وهذا الحديث المتفق على صحته ، مقدَّم على ذاك ، فيدل على نكارته .

وهذه المسائل فيها سعة للناس ، ولكنَّ القضاء مما يُستثنى ، حتى عند الإمام الشافعي – عليه رحمة الله –  ” إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا ” أي تنفُّلاً ، وتطوعاً .

وأما من أراد أن يقضي في النصف الثاني من شعبان ، فله ذلك ولو في آخر يوم من شعبان ، فالقضاء يستمر وقته إلى آخر يوم من شعبان .

والمسألة التاسعة والأخيرة : هل يجوز القضاء في يوم الشك ؟

ويوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان ، إذا تحدث الناس أنَّه من رمضان ، ليس كل يوم ثلاثين من شعبان يوم شك ، وإنَّما إذا وقعت فيه دلائل ، وعلائم ، و قرائن ، ولم تقبل عند القضاة ، فإنَّه يكون يوم شك .

وقد جاء في الحديث ، عن عمار – رضي الله عنه – أنَّه قال : ” مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ” رواه أحمد ، والنسائي.

فهذا حديث صحيح صريح ، في أنَّه يحرم على المسلم ، أنْ يصوم في يوم الشك .

وأما القضاء في يوم الشك فأمره آخر ، يجوز القضاء حتى في يوم الشك ، إذا بقي على المسلم يوم من رمضان ، ولم يجد أن يصومه ،  أو يقضيه إلا في يوم الشك ، أو نسيه وتذكره ليلة الشك ، فعليه أن ينوي ، وأن يصوم ولو في يوم الشك .

أسأل الله – سبحانه وتعالى – أن يمُنَّ علي وعليكم بالعلم ، والعمل ، والفقه في الدين ، والاتباع للنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وأن يبلغنا رمضان !

اللهم إنا نسألك أن تبلغنا رمضان ، وأن تجعلنا من أهل الصيام ، والقيام ، والدعاء فيه !

اللهم اغفر لنا ، و لآبائنا ، وأمهاتنا ، وأزواجنا ، وذرياتنا، ومشايخنا ، ومعلمينا ، ومن له حق علينا !

اللهم اغفر للمسلمين ، والمسلمات، والمؤمنين ، والمؤمنات الأحياء منهم ، والأموات !

اللهم ارحمنا برحمتك – يا أرحم الراحمين – ! اللهم رحماك بالمستضعفين من المسلمين في كل مكان !

اللهم آتِ نفوسنا تقواها ، زكها أنت خير من زكاها ، أنت وليُّها ومولاها !

اللهم إنا نسألك الهدى ، والتقى ، والعفاف ، والغنى ! اللهم أصلح ذرياتنا – يا أرحم الراحمين – !

اللهم أصلح بلادنا ، وسائر بلاد المسلمين !اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشدا ، يعز فيه أهل طاعتك ، ويذل فيه أهل معصيتك ، ويؤمر فيه بالمعروف ، وينهى فيه عن المنكر !

اللهم غزِّر أمطارنا ، ورخِّص أسعارنا ، ولِّ علينا خيارنا ، اصرف عنا أشرارنا – يا أرحم الراحمين – !

اللهم أصلح أمرنا ! اللهم أصلح شأننا – يا أرحم الراحمين – ! اللهم خذ بأيدينا إلى كل خير !  اللهم خذ بأيدينا إلى كل خير – يا أرحم الراحمين – !

عبادالله ، وصلوا وسلموا على من أمركم الله – عزوجل – بالصلاة والسلام عليه ، فقال : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيهِ وَسَلِّموا تَسليمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦]

اللهم صلِّ على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم ، إنَّك حميد مجيد ! اللهم بارك على محمد ، وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم ، إنَّك حميد مجيد !

عبادَ الله ، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ﴾ [النحل: ٩٠]

فاذكروا الله ؛ يذكركم واشكروه ؛ يزدكم ، ولذكر الله أكبر ، والله أعلم بما تصنعون .

زر الذهاب إلى الأعلى