خطبة معالم الحكمة من صدر وصايا لقمان -مفرغة-

خطبة معالم الحكمة من صدر وصايا لقمان
للشيخ الفاضل أبي مجاهد صالح بن محمد باكرمان

لتحميل الخطبة صوتية من هنا

الخطبة الأولى

الحمدلله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ؛ تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه .

أمابعد : أيها المسلمون – عبادالله – اتقوا الله حق تقواه .

﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢]

عبادالله ، إنَّ الحكمة نعمة من الله – عزوجل – عظيمة ، وعطيَّة جسيمة ، يعطيها الله – عزوجل – ويؤتيها من شاء من عباده ، يخص بها من شاء من خلقه ومن عباده سبحانه وتعالى .

والحكمة : هي العلم النافع ، والقول الفصل ، والحُكم العدل ، ووضع الأمور في مواضعها .

وإنَّ مِمَّن أعطاه الله – عزوجل – الحكمة لقمان الحكيم ، ذلك العبد الصالح من عباد الله – عزوجل – ليس بنبي ولا رسول ، ولكنَّه عبد من عبادالله الصالحين ، اختصه الله – عزوجل – بالحكمة ، وآثره الله – عزوجل – بالعلم النافع ، ولم يكن من ذوي النسب ، ولا من أهل المكانة العالية ، كان فيما يقال : كان عبدا مملوكا ، وقيل إنَّه كان من أهل النُّوبَةِ من مصر ، والذي اتفقوا عليه أنَّه لم يكن من أهل الشأن الكبير في الدنيا ، ولا من ذوي النسب ، ولا من ذوي الجمال ، ولكنَّ الله – عزوجل – آتاه الحكمة ، الله – عزوجل – يؤتي الحكمة من يشاء ، رب العالمين – جل جلاله – لا ينظر إلى الصور والأجساد ، ولكنَّه ينظر إلى القلوب والأعمال ، كما أخبر الصادق المصدوق – صلى الله عليه وآله وسلم – فقال : ” إِنَّ الله لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ، وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ “. رواه مسلم .

فلنعلم هذا – عبادالله – ﴿إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقاكُم ﴾ [الحجرات: ١٣]

لقمان الحكيم عبد من عباد الله – عزوجل – فاز وظفر بالحكمة ، وقصَّ الله – عزوجل – لنا شيئاً من حكمته في وصاياه لابنه ، تلك الوصايا العطرة المفيدة ، التي ذكرت في السورة التي سُمِّيت باسمه (سورة لقمان) .

وحديثنا اليوم مع معالم الحكمة في صدر تلك الوصايا ، وأما الوصايا فلنا معها وقفات بإذن الله – عزوجل – ، قال الله – عزوجل – :﴿وَلَقَد آتَينا لُقمانَ الحِكمَةَ أَنِ اشكُر لِلَّهِ وَمَن يَشكُر فَإِنَّما يَشكُرُ لِنَفسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَميدٌ﴾ [لقمان: ١٢] هذا مطلع تلك الآيات ، ومطلع الوصايا ، وفي هذه الآية ثلاثة معالم عظيمة  ، وثلاثة أصول عظيمة من أصول الحكمة ، معالم وأصول في نفْس الحكيم :

الأصل الأول والمعلم الأول من معالم الحكمة : أنَّ الحكمة عطاء من الله – عزوجل – وهبة من الله
﴿وَلَقَد آتَينا لُقمانَ الحِكمَةَ﴾ ، رب العزة – جل جلاله – يخبر أنَّه هو الذي آتى لقمان الحكمة ، هو الذي أعطى لقمان الحكمة ، هو الذي وهب لقمان الحكمة ، كما قال الله – سبحانه وتعالى – في آية أخرى : ﴿يُؤتِي الحِكمَةَ مَن يَشاءُ﴾ [البقرة: ٢٦٩] الله – جل جلاله – يؤتي الحكمة من يشاء ﴿وَمَن يُؤتَ الحِكمَةَ فَقَد أوتِيَ خَيرًا كَثيرًا﴾ الله – عزوجل – هو الذي يعطي الحكمة ، هو الذي يهب العلم النافع ، والقول الفصل ، والحُكم العدل ، الله – سبحانه وتعالى – هو الذي يهب من يشاء ذلك .

من الذي خلق ؟ الله .

من الذي خلق السمع ، والأبصار ، والعقول التي تفهم الحكمة ؟ الله .

من الذي هدى إلى العلم والتعليم ؟ الله .

من الذي يهديك – عبدالله – إلى منازل الحكمة ، ومواطن الحكمة ؟ الله .

﴿إِنّا خَلَقنَا الإِنسانَ مِن نُطفَةٍ أَمشاجٍ نَبتَليهِ فَجَعَلناهُ سَميعًا بَصيرًا﴾ [الإنسان: ٢]

﴿قُل هُوَ الَّذي أَنشَأَكُم وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمعَ وَالأَبصارَ وَالأَفئِدَةَ قَليلًا ما تَشكُرونَ﴾ [الملك: ٢٣]

الحكيم يعلم أنَّ حكمته من الله ، هو خلق من خلق الله ، وعقله عطاء من الله ، وسمعه وبصره من الله ، وهدايته إلى العلم والحكمة من الله .

وهذا الأصل يجعل الحكيم الحقيقي يتواضع ؛ يتواضع لحكمته ، يعلم أنَّها من الله ، هبة من الله ، عطاء من الله – سبحانه وتعالى – ، فيتواضع ويذل بين يدي الله ، ويتواضع للخلق .

هذه من ثمرات هذا الأصل ، الذل بين يدي الله ، الحكيم ذليل بين يدي الله ، ومتواضع للخلق ؛ لأنَّه يعلم أن حكمته من الله – سبحانه وتعالى – ، وغيرها من الثمرات مما سيأتي في الأصول ، ماهي إلا ثمرات لهذا الأصل العظيم .

الحكمة هبة من الله ، وعطاء من الله ، وذاك الجاهل الذي يظن أنَّه من عنده – العلمَ والحكمةَ – ﴿ إِنَّما أوتيتُهُ عَلى عِلمٍ عِندي … ﴾ [القصص: ٧٨]
هذا هو الأصل الأول : ﴿وَلَقَد آتَينا لُقمانَ الحِكمَةَ﴾

والأصل الثاني من أصول الحكمة في ذات الحكيم ، والمعلم الثاني هو : أنَّ الحكمة تقتضي شكر المنعم ، الحكمة الحقيقة تقتضي شكر المنعم سبحانه ، تثمر الشكر ، وتثمر العبودية ، وتثمر الطاعة لله – عزوجل – وإلا فأي حكمة هذه الحكمة التي في العقل ؟! نظرية ليس لها أثر ، ولا ثمرة ، ولاينتج عنها عمل ، ولا عبودية ﴿وَلَقَد آتَينا لُقمانَ الحِكمَةَ أَنِ اشكُر لِلَّهِ ﴾ الذي خلق ، الذي رزق ، الذي هدى ﴿الَّذي خَلَقَكَ فَسَوّاكَ فَعَدَلَكَ۝في أَيِّ صورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ﴾ [الانفطار: ٧-٨]

ما الذي يغرر الإنسان بربه ؟ ﴿ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَريمِ﴾ [الانفطار: ٦] أيُّها الإنسان .﴿الَّذي خَلَقَكَ فَسَوّاكَ فَعَدَلَكَ۝في أَيِّ صورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ﴾

الحكمة تقتضي الشكر ، علم يُثمر عملا ، حكمة تُثمر معرفة بالله – عزوجل – ، حكمة يعرف بها العبد ربه ، يعرف بها وجود الله – سبحانه وتعالى – ، يعرف بها وحدانية الله – سبحانه وتعالى – ، يعرف بها شرع الله ، يعرف بها الطريق إلى الله – سبحانه وتعالى – ، يعرف بها سبيل الدعوة إلى الله .

﴿أَنِ اشكُر لِلَّهِ﴾ ما يؤتي الله – عزوجل – الحكمة من أجل أن يتكبر  بها العبد ، ولا من أجل أن يفتخر بها ، ولا من أجل أن يتظاهر بها ، ولا من أجل أن يماري بها ؛ وإنَّما من أجل أن يشكر ، من أجل أن تكون سبيلا ووسيلة إلى شكره سبحانه ﴿أَنِ اشكُر لِلَّهِ﴾ .

والأصل الثالث والمعلم الثالث من معالم الحكمة : أن يعلم العبد بعد حكمته ، وعلمه ، وبعد شكره لله ، أنَّ شكره لله إنَّما هو لنفسه ، وأنَّه هو الذي ينتفع بذلك الشكر ، وليس رب العالمين – جل جلاله – ﴿وَمَن يَشكُر فَإِنَّما يَشكُرُ لِنَفسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَميدٌ﴾ .

﴿وَمَن يَشكُر فَإِنَّما يَشكُرُ لِنَفسِهِ﴾ من يصلي فإنَّما يصلي لتكون ثمرة الصلاة لنفسه ، أجر يُؤتاه يوم القيامة ، وفوائد في الدنيا والآخرة .

من يزكي يزكي لنفسه ، يصحح نفسه ، ويزكي نفسه ، ويطهِّر نفسه ، ويُعد لنفسه الأجر يوم القيامة .

الذي يصوم يصوم لنفسه ، ثمرة ذلك راجعة إليك ، وعائدة إليك عبدالله .

من يضحي ، ومن يتقرب بالذبائح ، يفعل ذلك لنفسه ، قال الله – عزوجل – :﴿لَن يَنالَ اللَّهَ لُحومُها وَلا دِماؤُها وَلكِن يَنالُهُ التَّقوى مِنكُم﴾ [الحج: ٣٧] اللحم والدم لا يصل إلى الله ، الدم يهراق ، واللحم يؤكل من قِبَلِكم ، وما لله – عزوجل – إلا التوجّه والنية والقصد .

﴿وَمَن يَشكُر فَإِنَّما يَشكُرُ لِنَفسِهِ﴾ اعرف هذا – عبد الله – ، لا يستفيد ربنا – سبحانه وتعالى – من عبادتنا شيئاً ، وإذا عرف العبد هذه الحقيقة ، احتقر عمله ، وعرف أنَّه لم يقدِّم لله شيئا ، بعضنا من جهلنا نظن أنَّنا قدَّمنا لله شيئاً ، وأنَّنا لنا شأن عند الله بهذه الأعمال ، فنرى أعمالنا ، ونرى صلاتنا ، ونرى زكواتنا وصدقاتنا ، وهذا من الجهل ، أنت تعمل من أجل نفسك ، نعم أنت تطيع ربك والتقوى لله ، والقصدلله ، ولكنَّ الثمرة لك فلا تتكبر ، ولاترى عملك – عبدالله – .

﴿وَمَن يَشكُر فَإِنَّما يَشكُرُ لِنَفسِهِ وَمَن كَفَرَ ﴾ ومن جحد نعمة الله ، ومن ترك الشكر ، هل يضر الله – عزوجل – شيئا ؟ إذا لم تصلِّ – عبدالله – هل يتضرر رب العالمين – جل جلاله – من ذلك ؟! أنت تُغضبه ، نعم تُغضبه ؛ لأنَّك تعصي أمره ، لكنَّك لا تضره ، أنت تُغضبه إذا تركت أمره ، وعصيت أمره ؛ لأنَّه أمَرك فلم تطعه ، ولكنَّك لا تضره ﴿وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَميدٌ﴾ غني – سبحانه وتعالى – لا يحتاح إلى أحد ، حميد محمود من دون أن تحمده ، حتى لو لم يحمده العباد ، فهو حميد محمود – سبحانه وتعالى – ، الحميد المجيد لا يحتاج إلى عبادتنا ، ولا إلى ثنائنا ، ولا إلى مدحنا جلَّ في علاه .

فهذه ثلاثة معالم ، وهذه ثلاثة أصول عظيمة من أصول الحكمة :

الأصل الأول : أنَّ الحكمة والعلم من الله ، هبة وعطيّة من الله سبحانه وتعالى .

والأصل الثاني والمعلم الثاني: أنَّ هذه الحكمة والعلم تقتضي الشكر ، وتستوجب شكر المنعم سبحانه وتعالى .

والمعلم الثالث والأصل الثالث : أنَّ شكرنا لله – سبحانه وتعالى – عائد علينا ، فلا يجوز للعبد أن يرى شكره وعمله بين يدي الله سبحانه وتعالى .

هذه ثلاثة معالم من معالم الحكمة ، مما آتاه الله – عزوجل – لقمان ، وينبغي لنا أن نتمثل هذه المعالم وهذه الأصول في أنفسنا .

أقول ما سمعتم ، وأستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية

الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

أمابعد : أيُّها المسلمون – عباد الله – اتقوا الله حق تقواه .

عبادالله ، (معالم الحكمة في صدر وصايا لقمان) .

ثم ذكر الله – عزوجل – معالم أخرى ، يجب أن تكون من الحكيم في تعليمه وتوجيه ، فالحكمة لايجب أن تكون باقية في النفس ، وإنَّما لابد أن تُبث ، وأن تنشر ، الحكيم هو الذي يعلِّم غيره الحكمة ، ويوجّه غيره بهذه الحكمة ، ينطق بالحكمة ، ويستفيد الناس من حكمته ، وأول من يستفيد من حكمة الحكيم ، ومن علم العالم ، ومن توجيه الموجّه ، هم أهله ، هم ذووه ﴿وَأَنذِر عَشيرَتَكَ الأَقرَبينَ﴾ [الشعراء: ٢١٤] ، وهذا من مقتضى الحكمة ، أن يبدأ الحكيم ، والعالم ، والمربي ، والموجّه أن يبدأ بأهله ، وبأقربائه ، وبأحب الناس إليه ، وهذا ما فعله لقمان الحكيم ، قال الله – عزوجل – :﴿وَإِذ قالَ لُقمانُ لِابنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشرِك بِاللَّهِ﴾ [لقمان: ١٣]

﴿وَإِذ قالَ لُقمانُ لِابنِهِ﴾وجَّه لقمان ابنه ؛ لأنَّه رجل حكيم ، عرف أنَّه  مسئول أولاً عن أبنائه ، وعن أسرته ، وعن ذويه ، فلنعم ذلك – عباد الله – ، هذا أصل عظيم من أصول الحكمة : أن يُعنى الآباء ، والمربون ، والموجّهون بأبنائهم ، وبناتهم ، وبأهليهم ، من واجبك – عبدالله – أن تُعنى بأهلك وأولادك ، أنت مسئول عنهم أمام الله – عزوجل – قال الله – عزوجل – : ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا قوا أَنفُسَكُم وَأَهليكُم نارًا وَقودُهَا النّاسُ وَالحِجارَةُ عَلَيها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعصونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُم وَيَفعَلونَ ما يُؤمَرونَ﴾ [التحريم: ٦] فمن واجبك – عبدالله – أن توجّه أبناءك ، وبناتك ، وزوجتك ، وأهلك ﴿قوا أَنفُسَكُم وَأَهليكُم نارًا ﴾ كيف نقي أنفسنا وأهلينا النار ؟ أن نقيهم النار بتوجيهم ، بإبعادهم عن الشبهات ، والأفكار المنحرفة .

سيل من الأفكار المنحرفة يهجم على أولادنا وبناتنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، يجرف أبناءنا وبناتنا إلى الهاوية ، يجب عليك أن تحذر – عبدالله – ، سيل من الشهوات ، والملذات ، والمخدرات ، والمسكرات يجرف أبناءنا – عبدالله – .

يجب أن تقي نفسك ، وأبناءك ، وبناتك المخدرات ، وفي هذه الأيام انتشر مخدر الشبو الخطير ، الذي يدمر الأعصاب ، ويقتل النفس ، ويفتح باب الشر  ، يجن صاحبه أو يموت ، وربّما وقع في حوادث أو في جرائم كما تسمعون ، ذاك الذي أحرق أسرته بعد أن صار مخدَّرا ، أحرقهم جميعاً من دون شعور ، احذروا على أنفسكم ، و على أولادكم ، وعلى بناتكم عبادالله .

من معالم الحكمة في هذه الآيات ، من حكمة لقمان الحكيم – رحمه الله – أنَّه استعمل أسلوب الوعظ والتوجيه في تعليمه وتربيته ﴿وَإِذ قالَ لُقمانُ لِابنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ﴾ التوجيه والوعظ قبل كل شيء ، وقلَّما نستعمل هذا الأسلوب في تعليمنا ، أن نوجّه أبناءنا ، وأن نعظهم ، وأن نعلمهم ما يأتون وما لا يأتون ، وأن نجلس معهم : هذا حلال ، وهذا حرام ، هذا يجوز ، وهذا لا يجوز ، ينبغي أن تفعل كذا ، ولا ينبغي أن تفعل كذا  ، افعل ، ولا تفعل .

لايلزم أن يكون ذلك في جلسة ، وأنت تمشي معه إلى المسجد أو إلى السوق ، وهو يركب معك في أي موطن من المواطن ، وجّه ابنك ، علمه الحلال ، والحرام ، والخير ، والشر .

والواقع أنَّنا إذا وقع أبناؤنا في الخطأ صِحْنا فيهم ، وقلنا : حرام ، خطأ ، عيب ، وربّما ضربناهم ، وكثيراً مايكون هذا الابن أو البنت لايعرفون أنَّ هذا حرام وعيب ؛ لأنَّهم لم يوجَّهوا ، ولم يُعَظُوا ، لقمان الحكيم جلس مع ابنه : يا بني افعل ، يابني افعل ، يابني لاتفعل ، يابني لا تشرك بالله ، وقال : يابني أقم الصلاة .

فعلينا أن نوجّه أبناءنا وبناتنا ، وهذا يحتاج منَّا أن نجلس معهم ، وأن نصطحبهم ، فإن لم تستطع فسلِّم ابنك إلى موجِّهين صالحين  ، يربونه على القرآن ، وعلى السنة .

والمعلم الثالث [أي الثالث في الخطبة الثانية] من معالم الحكمة في التوجيه : لين الخطاب ﴿وَإِذ قالَ لُقمانُ لِابنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ ﴾ (يابني) كلمة حانية ، كلمة رفيقة رقيقة ، (يابني) تدل على حب ورحمة ، إبراهيم الخليل وهو يخاطب أباه ويوجّهه وينصحه يقول : يا أبتي ، يا أبتي ، موسى الكليم – عليه السلام – لما أرسله الله – عزوجل – مع هارون إلى فرعون قال الله – عزوجل – : ﴿اذهَبا إِلى فِرعَونَ إِنَّهُ طَغى۝فَقولا لَهُ قَولًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَو يَخشى﴾ [طه: ٤٣-٤٤] القول اللين ، ويقول الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم – : ” إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ “.

فاتقوا الله – عبادالله – ، وكونوا من أهل الحكمة في أنفسكم وفي تعليمكم .

أسأل الله – عزوجل – أن يمنَّ علينا وعليكم بالخير والسداد !

أسأل الله – عزوجل – أن يمنَّ علينا وعليكم بالخير والسداد !

اللهم أصلح أحوالنا ، يسِّر أعمالنا ، ولِّ علينا خيارنا ، اصرف عنا أشرارنا ، اللهم غزِّر أمطارنا ، رخِّص أسعارنا !

اللهم اكشف كربنا ، اللهم فرِّج عنا – يارب العالمين – وعن كل المسلمين !

اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين ! اللهم رحماك بالمستضعفين من المسلمين في كل مكان !

ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار !

اللهم اغفر للمسلمين ، والمسلمات ، والمؤمنين ، والمؤمنات ، الأحياء منهم ، والأموات !

عباد الله ، وصلوا وسلموا على من أمركم الله – عزوجل – بالصلاة والسلام عليه فقال : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيهِ وَسَلِّموا تَسليمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦]

اللهم صلِّ على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم ، إنَّك حميد مجيد ! اللهم بارك على محمد ، وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم ، إنَّك حميد مجيد !

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين .

زر الذهاب إلى الأعلى