الدعوة إلى الله حكمها وفضلها وصفات الدعاة -مفرغة-

خطبة : الدعوة إلى الله حكمها وفضلها وصفات الدعاة
للشيخ الفاضل أبي مجاهد صالح بن محمد باكرمان

                       الخطبة الأولى

الحمدلله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.

أما بعد : أيها المسلمون عباد الله، اتقوا الله حق تقواه.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [سورة آل عمران 102].

     عباد الله، لقد فضل الله -عزوجل- هذه الأمة، وجعلها خير أمة أخرجت للناس، بما اختصها الله -عزوجل-به، وميزها به من الدعوة إلى الله -عزوجل-، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، قال الله -عزوجل-: {كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنّاسِ …﴾ [آل عمران: ١١٠].

     هذه الأمة أمة الإجابة، التي أجابت للرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-، جعلها الله -عزوجل- خير أمة من الأمم، وأخرجها للناس لتدعو الناس إلى الله -عزوجل- وإلى شرعه، ولتهدي الناس إلى الرشد، لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، وبذلك تميزت هذه الأمة، أخرجت للناس هداية للخلق، وإرشاداً لهم، بهذا تميزت هذه الأمة، وصارت في أعلى مراتب الأمم، ولِتبقى هذه الخيرية في هذه الأمة، وتبقى ميزتها ثابتة راسخة؛ أمر الله -عزوجل- هذه الأمة بالدعوة، وجعل الدعوة التي هي ميزتها فرضاً عليها وواجباً، فقال -سبحانه وتعالى- : ﴿وَلتَكُن مِنكُم أُمَّةٌ …﴾ [آل عمران: ١٠٤].

﴿وَلتَكُن…﴾ اللام لام الأمر.
﴿مِنكُم﴾ يا أيها المسلمون.
{أُمَّةٌ يَدعونَ إِلَى الخَيرِ}، {أُمَّةٌ} جماعة عظيمة.

{يَدعونَ إِلَى الخَيرِ} يدعون إلى الله، يدعون إلى اتباع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، يدعون إلى تعاليم الإسلام، يُبقون الإسلام حياً في القلوب.

{أُمَّةٌ} جماعة عظيمة، ليست جماعة واحدة، وهذا يدل على أن الدعوة فرض على هذه الأمة، فرض على الكفاية، ولا يقوم بهذا الفرض إلا أمة من الناس، وقد تكون الدعوة فرض عين على شخص بعينه في زمان معين أو مكان معين، وكما فرض الله -عزوجل- الدعوة والتبليغ على هذه الأمة، فرضها الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على أمته، على كل بقدر استطاعته، ففي الحديث عن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- : ” بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً”. رواه البخاري. ولو لم تبلغ إلا آية عن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- ، وحث -صلوات ربي وسلامه عليه- على تبليغ الحديث، فقال -صلوات ربي وسلامه عليه- : “نَضَّرَ الله امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ ؛ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ “.

       الدعوة إلى الله واجبة على هذه الأمة، هذه الأمة مبعوثة إلى أهل الكفر، ومبعوثة إلى أهل الضلال والفسق؛ لدعوتهم إلى الإسلام، ولدعوتهم إلى الخير، ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يخاطب أصحابه بمثل قوله: ” إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ”.

(إِنَّمَا بُعِثْتُمْ) فالأمة كلها مبعوثة بهذه الدعوة، أن يحملوا رسالة الإسلام، وأن يهمهم أمر الإسلام، وتبليغ الإسلام، ومن أجل أن تطّلّع الأمة لهذا الواجب؛ حث الله -عزوجل- على الدعوة إليه، حث عليها، وبيّن فضلها، وأنها طريق النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وسبيله الذي كان عليه، والذي يمضي في طريق الدعوة يمضي في طريق الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-، فقال -سبحانه وتعالى- مخاطباً نبيه -صلوات ربي وسلامه عليه-: ﴿قُل هذِهِ سَبيلي أَدعو إِلَى اللهِ عَلى بَصيرَةٍ أَنا وَمَنِ اتَّبَعَني وَسُبحانَ اللهِ وَما أَنا مِنَ المُشرِكينَ﴾ [يوسف: ١٠٨].

{قُل} يا محمد، قل لأمتك يا محمد.
{هذِهِ سَبيلي} هذه طريقي، ما هو سبيلك يا رسول الله؟ قال :{أَدعو إِلَى اللهِ} هذه سبيل الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- {اللهِ} أدعو وأدل إلى الله رب العالمين -جل جلاله-، أعظمه، أبين توحيده، أبين دينه وشرعه.

{أَدعو إِلَى اللهِ عَلى بَصيرَةٍ} على علم.
{ أَنا وَمَنِ اتَّبَعَني} أنا أدعو إلى الله على بصيرة، ومن اتبعني يدعو إلى الله على بصيرة، فأتباع الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- على مسلكه وطريقه وسبيله، يدعون إلى الله على بصيرة.

{وَسُبحانَ اللهِ وَما أَنا مِنَ المُشرِكينَ} تنزيهاً لله -عزوجل- وابتعاداً عن الشرك، وهذا أصل الدعوة ولبها، التوحيد وتنزيه الله -سبحانه وتعالى-، وقال الله -عز وجل- في آية أخرى، يبين فضل الدعوة والدعاة:﴿وَمَن أَحسَنُ قَولًا مِمَّن دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحًا وَقالَ إِنَّني مِنَ المُسلِمينَ﴾ [فصلت: ٣٣].

﴿وَمَن أَحسَنُ قَولًا ﴾ سؤال يراد به النفي، من أحسن قولا من هذا ؟ لا أحد، لا أحسن قولاً من الدعاة، ولا أرفع درجة عند الله -عزوجل- من الدعاة، كيف لا وهم يمضون على درب الأنبياء! يا أيها المرسلين ﴿وَمَن أَحسَنُ قَولًا مِمَّن دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحًا وَقالَ إِنَّني مِنَ المُسلِمينَ﴾ [فصلت: ٣٣].

     هذه فضائل الدعوة، فضل الدعوة إلى الله -عزوجل- عظيم، ويبين الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- بعض فضائل الدعوة، ففي حديث سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنهما- في حديثٍ طويل أرسل فيه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- إلى اليهود في خيبر؛ ليفتح حصون خيبر، أمره أولاً بدعوتهم إلى الإسلام: ” انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ فِيهِ”.

الدعوة أولاً قبل القتال،الدعوة أولاً؛ لأن الغاية في الإسلام هي هداية الخلق، وليست إهلاك الخلق، قال له الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- حاثاً له على ذلك: “فَوَاللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ “. رواه البخاري ومسلم.

(فَوَاللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ الله بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ.) حمر النعم كانت أعظم الأموال عند العرب، خير لك من كل شيء، وفي الحديث الآخر يقول الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-: ” مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا”.رواه مسلم.

(مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى) هدى إلى الإسلام، إلى أصل الإسلام، إلى فريضة من فرائض الإسلام، إلى سنة من سنن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، إذا دعوت إليها، وعلّمتها، وبلغتها،كان لك من الأجر مثل أجور من تبعك.

(لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا)أجورهم لهم، ولك مثلها، أجر عظيم، فضل عظيم في هذه الدعوة.

       ولما عرف السلف الصالح منزلة هذه الدعوة، وأنها واجبة، وعرفوا فضلها العظيم، قاموا بها، واضطلعوا بها، وانطلقوا بالإسلام شرقاً وغرباً، بلغوه مشارق الأرض ومغاربها في أثناء حركتهم بالدعوة، ومع الجهاد حملوا الدعوة -رضي الله عنهم وأرضاهم- والتابعون لهم بإحسان، وأتباع التابعين، والأئمة المهديون كلهم حملوا هذه الدعوة، ويتوارث المسلمون هذه الدعوة، يجعلون الإسلام همهم، كلهم دعاة، العلماء دعاة، والدعاة دعاة، والمعلمون دعاة، بل والتجار دعاة، والعامة دعاة، وكانت لهذه البلدة منزلة عظيمة، ودرجة رفيعة، وشأوٌ كبيرٌ في الدعوة إلى الله، في شرق آسيا وفي شرق إفريقيا، أهلنا هم أهل الدعوة، أهلنا هم أهل الإسلام، أهلنا وآباؤنا وأجدادنا هم أهل السنة، وأهل الاستقامة، وأهل الخير، وأهل الصلاة، وأهل القرآن، وأهل الحلال الطيب، وأهل الأخلاق الحسنة، فالدعوة إلى الله كما تكون بالقول تكون بالفعل.

    فلنتقِ الله عباد الله، ولنعرف هذا الواجب من واجبات الإسلام، وهذه الفضيلة من فضائل الدين؛ حتى يكون لنا حظ منها.

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

                       الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد : أيها المسلمون عباد الله، اتقوا الله حق تقواه.

عباد الله، وإن للداعية إلى الإسلام صفات مهمة، ينبغي أن يتصف بها حتى تكتمل دعوته، ويتم تأثيره، فمن أعظم صفات الداعية إلى الله -عز وجل- : الإخلاص، الإخلاص لله -سبحانه وتعالى-، الداعية الصادق يدعو إلى الله، لا يدعو لنفسه، ولا لقومه، ولا لحزبه، ولا لطائفته، ولا لأحد من الخلق، يدعو إلى الله ﴿قُل هذِهِ سَبيلي أَدعو إِلَى اللَّهِ …﴾﴿وَمَن أَحسَنُ قَولًا مِمَّن دَعا إِلَى اللهِ …﴾ يدعو إلى الله خالصاً من قلبه، لا يريد إلا الأجر عند الله -سبحانه وتعالى- ﴿وَما أُمِروا إِلّا لِيَعبُدُوا الله …﴾ [البينة: ٥].

    ومن الصفات العظيمة للداعية إلى الله -عزوجل-: العمل بما يدعو إليه ﴿وَمَن أَحسَنُ قَولًا مِمَّن دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحًا …﴾ يعمل بما يدعو إليه ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لِمَ تَقولونَ ما لا تَفعَلونَ﴾ [الصف: ٢]. ﴿أَتَأمُرونَ النّاسَ بِالبِرِّ وَتَنسَونَ أَنفُسَكُم وَأَنتُم تَتلونَ الكِتابَ أَفَلا تَعقِلونَ﴾ [البقرة: ٤٤]. وهذا يدعونا إلى أن نستقيم على الخير؛ من أجل أن نكون دعاة إلى الله، لا أن نترك الدعوة إلى الله بحجة أننا مقصرون، وهذا مدخل من مداخل الشيطان، يدخل على خلق كثيرين، يقول لهم لا تدعوا إلى الله؛ لأنكم لستم جديرين بذلك، وهذه والله من مداخل الشيطان، بل ادعو إلى الله، واجتهد في إصلاح نفسك.

ومن صفات الداعية إلى الله: أنه يدعو بعلم وبصيرة فيما يدعو فيه وإليه ﴿ أَدعو إِلَى اللهِ عَلى بَصيرَةٍ …﴾ ولا يجب أن يكون الداعية إلى الله عالماً بالدين، بالغاً مَبْلَغاً كبيراً في العلم، حسبه أن يعلم آية فيبلغ، إنما يجب عليه أن يبلغ ما علم، من ذا الذي لا يعلم آية؟! ومن ذا الذي لا يعلم حديثاً؟! ومن ذا الذي لا يعلم واجبات الإسلام المعلومة من الدين بالضرورة؟! ومن ذا الذي لا يعلم المحرمات الواضحات؟! كلنا يعلم، بلغ ما تعلم، ولا تدخل فيما لا تعلم.

       ومن صفات الداعية العظيمة: الحكمة والرفق، قال الله -سبحانه وتعالى- ﴿ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ …﴾ [النحل: ١٢٥]. الحكمة والرفق ” إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ “.

      ومن صفات الداعية العظيمة: الصبر في الدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى-، الصبر في الدعوة والصبر على الناس الذين يدعوهم، قال الله -سبحانه وتعالى- بسم الله الرحمن الرحيم : ﴿وَالعَصرِ۝إِنَّ الإِنسانَ لَفي خُسرٍ۝إِلَّا الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَتَواصَوا بِالحَقِّ وَتَواصَوا بِالصَّبرِ﴾ [العصر: ١-٣].

وغيرها من الصفات عباد الله، فالله الله في الدعوة إلى الله ،والدعوة إلى الخير! أن نحمل رسالة الإسلام، وأن نحمل هم الإسلام، كلنا دعاة، كلنا في الإسلام دعاة إلى الإسلام، نحب هذا الدين، ونحمل همه، ونبلغه للعالمين، ونأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر، ونحث على الخير، جعلنا الله وإياكم جميعاً من الدعاة إلى الله!

اللهم اغفر لنا، وارحمنا، وعافنا، واعف عنا، وتب علينا، واسترنا! اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات!
اللهم اغفر لحينا، وميتنا، وصغيرنا، وكبيرنا، وذكرنا، وأنثانا، وحاضرنا، وغائبنا!

اللهم اغفر لنا يا أرحم الراحمين مغفرة تامة شاملة! اللهم رخِّص أسعارنا، وغزِّر أمطارنا، وولِّ علينا خيارنا، واصرف عنا أشرارنا!

اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن! اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن! اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن!

اللهم خذ بأيدينا إلى كل خير، وجنبنا كل شر! اللهم خذ بأيدينا إلى كل خير، وجنبنا كل شر اللهم!

اغفر لمن بنى هذا المسجد، ومن قام فيه، ومن صلى فيه، ومن دعا الله -عزوجل- فيه! اللهم اغفر لنا جميعاً يا أرحم الراحمين! اللهم توفنا مسلمين!

اللهم وصلِّ وسلم على نبيك محمد، وعلى آله وصحبه وسلم! وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

زر الذهاب إلى الأعلى