خطبة عيد الأضحى ١٤٤٦ ه
لفضيلة الشيخ أبو مجاهد صالح بن محمد باكرمان
الله أكبر الله أكبر الله أكبر
الله أكبر الله أكبر الله أكبر
الله أكبر الله أكبر الله أكبر
ما وحّد موحِّدٌ واستغفر ، الله أكبر ما صلّى مصلٍّ وكبّر، الله أكبر ما زكّى مزكٍّ وتطهّر، الله أكبر ما صام صائم وأفطر، الله أكبر ما حجّ حاج واعتمر، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، ويفرح بفضله المؤمنون والمؤمنات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اتباعا له وتمجيدا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا مزيدا.
أما بعد
أيها المسلمون عباد الله اتقوا الله حق تقواه ، قال الله تعالى : { یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ }[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ١٠٢].عباد الله إن عيد الأضحى المبارك عيدُنا أهلَ الإسلام، عيد للفرح والبهجة، وعيد للتوسعة والمتعة ، ولكنه في نفس الوقت شعيرة وذكر ، وعبادة وشكر ؛ لذلك نبدأ نهاره كما بدأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصلاة والخطبة ، ونملأ نهاره وليله بالتكبير والنسك .
إن النحر والنسك عباد الله قرين الصلاة، قال الله تعالى : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ }[سُورَةُ الكَوۡثَرِ: ٢]. وقال تعالى : { قُلۡ إِنَّ صَلَاتِی وَنُسُكِی وَمَحۡیَایَ وَمَمَاتِی لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ (١٦٢) لَا شَرِیكَ لَهُۥۖ وَبِذَ ٰلِكَ أُمِرۡتُ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُسۡلِمِینَ (١٦٣) }[سُورَةُ الأَنۡعَامِ: ١٦٢-١٦٣].
والنسك ومنه الأضاحي من شعائر الله، قال الله تعالى : { وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَـٰهَا لَكُم مِّن شَعَـٰۤىِٕرِ ٱللَّهِ لَكُمۡ فِیهَا خَیۡرࣱۖ فَٱذۡكُرُوا۟ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَیۡهَا صَوَاۤفَّۖ فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا فَكُلُوا۟ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُوا۟ ٱلۡقَانِعَ وَٱلۡمُعۡتَرَّۚ كَذَ ٰلِكَ سَخَّرۡنَـٰهَا لَكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ (٣٦) لَن یَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاۤؤُهَا وَلَـٰكِن یَنَالُهُ ٱلتَّقۡوَىٰ مِنكُمۡۚ كَذَ ٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمۡ لِتُكَبِّرُوا۟ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُحۡسِنِینَ (٣٧) }[سُورَةُ الحَجِّ: ٣٦-٣٧].
فاحرصوا عباد الله على الأضاحي فإنها سنة أبينا إبراهيم عليه السلام، وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فاذبحوا وكلوا ، واهدوا وتصدقوا.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر
لا إله إلا الله
الله أكبر الله أكبر
ولله الحمد
عباد الله إن عيد الأضحى المبارك يأتي مقارنا لعبادة عظيمة هي الحج وهو ركن من أركان الإسلام، كما أن عيد الفطر يأتي بعد عبادة عظيمة هي الصيام ، وهو ركن من أركان الإسلام.والحج عبادة عظيمة ، فرضها عز وجل لتحقيق توحيده ، وإقامة ذكره ، وإظهار العبودية له ، والاستسلام لشرعة ، والحج معلم من معالم الولاء والأخوة، ومظهر من مظاهر المساواة ونبذ الطبقية، وهو محل للتضرع والبكاء ، والجؤار بالدعاء، وهو سبيل للتوبة من الذنوب، والإنابة إلى مقلب القلوب، والحج ذكرى يتذكر به العباد رجوعهم إلى الله، ووقوفهم يوم القيامة بين يدي الله، وعاقبة الحج المبرور ، مغفرة الذنوب، وستر العيوب، وجنة ونعيم، ومقام كريم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : : ” مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ “. وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ” الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ “.
فنسأل الله تعالى أن يحفظ إخواننا الحجاج والمعتمرين ، وأن يتقبل منا ومنهم؛ إنه جواد كريم.
الله أكبر الله أكبر
لا إله إلا الله
الله أكبر الله أكبر
ولله الحمد
عباد الله
جاء في الحديث عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه ذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَأَمْسَكَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ – أَوْ بِزِمَامِهِ – فقَالَ : ” أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ ” فَسَكَتْنَا، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ، قَالَ : ” أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ ؟ ” قُلْنَا : بَلَى، قَالَ : ” فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟ ” فَسَكَتْنَا، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ : ” أَلَيْسَ بِذِي الْحِجَّةِ ؟ ” قُلْنَا : بَلَى، قَالَ : ” فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ “. رواه البخاري ومسلم.
فحرم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دماء المسلمين ، وعظم شأنها، فما بالنا اليوم يقتل بعضنا بعضنا ، ويخذل بعضنا بعضنا، نتقاتل من أجل حدود صنعها لنا عدونا، ونتنازع من أجل أوضاع ليست من الإسلام في شيء ، أوضاعٍ جهوية، وأوضاعٍ مناطقية، وأوضاعٍ قبلية ، وأوضاع حزبيةٍ ، ولم نعد أمة واحدة أساسها التوحيد والعقيدة، ومنطلقها القرآن والسنة، وجماعها الولاء والنصرة الإسلامية، لقد عمل فينا أعداؤنا عملهم، ففرقوا جمعنا ، وشتتوا شملنا ، واحتلوا أرضنا ، واستحوذوا على خيراتنا، وهاهي فلسطين المحتلة، وغزة المدمرة شاهد علينا، وإن ما يحدث في غزة اليوم لأمر كبار، وخطب جلل، تشيب منه الأطفال، وتزيغ فيه الأحلام، قتل باستمرار ، وحرق بالنار، وهدم ودمار ، وجوع وحصار، وأهلنا في غزة يصرخون ويستنجدون، ويبكون ويستغيثون ، ولكن لا حياة لمن ينادون، فالعرب في سبات عميق، والمسلمون في بعد سحيق، وكأن الأمر لا يعنيهم، بل الأشد والأنكى أن الذين يحاصرونهم هم العرب أنفسهم، والذين يمنعون نصرتهم هم بنو جلدتهم ذاتُهم، وها قد انتفضت الدنيا، وانطلق حراك في أنحاء أوربا على المستوى الحكومي والشعبي يستنكر هذه الإبادة الجماعية لشعب غزة ، والعرب ما زالوا صامتين، فيا لَمَهانةِ الموقف، ويا لَجَورِ الإخوان.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.