بأي ذنب هدمت؟

 

سمعت عما تقوم به جماعة أنصار الشريعة من هدم لمبنى الأمن السياسي في المكلا  ورأيت صورا لذلك ، وتعجبت من ذلك الصنيع ! أن يقوم هذا التنظيم بهدم مبنى من مباني المصلحة العامة ، نعم كان هذا المبنى يستعمل في عهد المخلوع في الإضرار بالناس ، ولكن ما ذنب المبنى ؟ ما ذنب الجدران والسقوف ؟ وما صلة هذا الهدم بالشريعة ؟
قال لي بعض الإخوة : إنهم يقولون : نحن نقوم بهدم هذا المبنى ؛ لأنه من المباني التي عصى فيها الله يعني بالتدبير والمكر للمسلمين والإضرار بهم . وقد علمت أنهم يستندون على قضية هدم مسجد الضرار الذي أنزل الله عز وجل فيه قوله : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) [سورة التوبة : 107.الآيات . إلى قوله : ( فانهار به في نار جهنم).

والحقيقة أن هذا الذي يفعله أنصار الشريعة لا معنى له شرعا  ! ولا حجة له في الشريعة ، وبيان ذلك كالآتية :
أولا : دعوى أنه من أماكن المعصية والضرار يلزم منه استباحة هدم كل أماكن المعصية والضرار من القصور والسجون والمقرات التي وقعت فيها معصية وضرار ونفاق ، ولا أعتقد أن أنصار الشريعة ينوون ذلك .

ثانيا:  مسجد الضرار الذي جاء في بعض كتب السيرة أن  النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بهدمه ؛ فيه من الأوصاف والمعاني ما ليس في هذه الأبنية ، ومن ذلك أنه يفرق صف المسلمين ويميل بفريق منهم نحو المنافقين الذين يحيكون المؤامرة على المسلمين ، فالعلة في الأمر هدمه – لو صح –  مركبة من الضرار والكفر والتفريق بين المسلمين وغير ذلك ، وهذه العلة المركبة منتفية في هذه المباني.

ثالثا: نحن محكومون بفهم السلف والأئمة المتبوعين فمَن مِن السلف و مَن مِن الأئمة فهمج هذا الفهم – وهو جواز هدم المباني التي بنيت للفساد – وعمل به؟
ومن قاسها على مسجد الضرار؟
هل هدم الصحابة في الفتوحات الإسلامية إيوان كسرى أو شيئا من قصور الملوك والأمراء الذين كانوا يقاتلونهم ، والتي كانوا يدبرون فيها التدابير ويمكرون فيها مكرهم لمحاربة الإسلام والمسلمين ؟
مع أنها كانت للكفار ، فكيف بمبان هي ملك للمسلمين ؟

رابعا : أن هذه المباني من مال المسلمين العام فهي حق للمسلمين واستخدام المبطلين لها في الباطل لا ييصيرها مباحة ، والإضرار بها حرام .

خامسا : أن هدم هذه المباني بالعبوات الناسفة في وسط المدينة  يروع الأطفال والنساء ؛ بل ويرهب الرجال ، وهذا لا شك أنه حرام .
ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻟﻴﻠﻰ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﺃﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﻴﺮﻭﻥ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻓﻨﺎﻡ ﺭﺟﻞ ﻣﻨﻬﻢ، ﻓﺎﻧﻄﻠﻖ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺣﺒﻞ ﻣﻌﻪ ﻓﺄﺧﺬﻩ، ﻓﻔﺰﻉ، ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وآله ﻭﺳﻠﻢ: «ﻻ ﻳﺤﻞ ﻟﻤﺴﻠﻢ ﺃﻥ ﻳﺮﻭﻉ ﻣﺴﻠﻤﺎ» رواه أبو داود .

سادسا : هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هدم مسجد الضرار أصلا؟ أو أن الله عز وجل جعله بقدرته ينهار في نار جهنم ويتوقد نارا ؟
فالآية الكريمة نصت على أنه ( انهار في نار جهنم) ولم تذكر أنه هدم ؛ لذلك يذكر العلماء كابن عبد البر في التمهيد والاستذكار وابن تيمية في شرح العمدة أنه من مواطن عذاب الله .
وما جاء في السير والتفاسير كل الطرق منحصرة في النقل عن ابن إسحاق بعضها عن التابعين مراسيل وطريق مرفوعة  فيها ابن أبي رهم قال عنه الذهبي في الميزان: لا يعرف تفرد عنه الزهري عن عمه . وذكر بعض الأئمة للقصة في بعض القضايا من باب الاستئناس لا من باب الاستدلال .
والحاصل أن هذا العمل فيه تضييع لمال المسلمين العام  بلا حجة ، وتسلط الطغاة عليه وفسادهم فيه لا يبيح إهداره ، إضافة إلى ما في ذلك من ترويع المؤمنين . وعليه فلا أشك في حرمة هذا العمل .
والله ولي التوفيق والسداد .
أبو مجاهد صااح بن محمد باكرمان .
25  / 8 / 2015 م .

زر الذهاب إلى الأعلى