خطبة التحذير من الطعن في العلماء والصالحين مكتوبة

لتحميل الخطبة صوتية

الخطبة الأولى

      الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.

      أما بعد، أيها المسلمون عباد الله، اتقوا الله حق تقواه. { یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ }[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ١٠٢].

      عباد الله، لقد قضى الله -عز وجل- أن يبتلي عباده في هذه الحياة الدنيا كما قال -سبحانه وتعالى-: ﴿الَّذي خَلَقَ المَوتَ وَالحَياةَ لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أَحسَنُ عَمَلًا وَهُوَ العَزيزُ الغَفورُ﴾ [الملك: ٢].

       وقدر الله -عز وجل- فيما قدر أن يبتلي عباده المؤمنين خاصة، فقال -سبحانه وتعالى-: ﴿الم۝أَحَسِبَ النّاسُ أَن يُترَكوا أَن يَقولوا آمَنّا وَهُم لا يُفتَنونَ۝وَلَقَد فَتَنَّا الَّذينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَنَّ اللَّهُ الَّذينَ صَدَقوا وَلَيَعلَمَنَّ الكاذِبينَ﴾ [العنكبوت: ١-٣].

وقدر الله -عز وجل- وقضى أن يجعل بلاءه لعباده المؤمنين على قدر إيمانهم، الأمثل فالأمثل، كما جاء في الحديث عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه وأرضاه- أنه سأل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال له: “يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: ” الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الْعَبْدُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ “. هكذا أخبر الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- أن البلاء يكون على قدر الإيمان، وكلما كان الإنسان أعرف بالله وأتقى لله كان بلاؤه أعظم وأشد.

      وقدر الله -عز وجل- وقضى أن يكون بلاء بعض أهل الإيمان والعلم والصلاح على ألسنة وأيدي أعدائهم من الإنس والجن، جعل الله -عز وجل- لأنبيائه وأتباعهم أعداء من الإنس والجن، يحاربون دعوتهم، ويُناوِئُون دينهم وحركتهم، ويشوهون سمعتهم، وهذا دأبهم كما قال الله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَكَذلِكَ جَعَلنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطينَ الإِنسِ وَالجِنِّ يوحي بَعضُهُم إِلى بَعضٍ زُخرُفَ القَولِ غُرورًا وَلَو شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلوهُ فَذَرهُم وَما يَفتَرونَ﴾ [الأنعام: ١١٢].

(شَياطينَ الإِنسِ وَالجِنِّ) قدم شياطين الإنس على شياطين الجن، (يوحي بَعضُهُم إِلى بَعضٍ زُخرُفَ القَولِ غُرورًا ) يوحي بعضهم إلى بعض القول المزخرف، المنمق، المرتب الذي يغر الناس، يصل إلى الأسماع فيخترقها، ويدخل إلى القلوب فيحل فيها، ويُصدِّق المُصَدِّق، ويَنشُر الناشر، ويُشِيع المُشِيع في الأنبياء.

     وكان حظ الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- من ذلك الشيء الكثير، فهو أعظم الرسل، وأفضل الأنبياء، وأعلم الناس بربهم، وأتقاهم له، كان نصيبه من البلاء أعظم صلوات ربي وسلامه عليه، طُعن فيه صلى الله عليه وآله وسلم، واتهم بشتى التهم، طعنوا حتى في عقله صلوات ربي وسلامه عليه، فقالوا: مجنون. ﴿وَإِن يَكادُ الَّذينَ كَفَروا لَيُزلِقونَكَ بِأَبصارِهِم لَمّا سَمِعُوا الذِّكرَ وَيَقولونَ إِنَّهُ لَمَجنونٌ﴾ [القلم: ٥١]. محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- اتهم بأنه مجنون، وطُعن في فصاحته وفي قوله، فقالوا: ساحر. وطُعن في تأثيره وجاذبيته، فقالوا: كاهن. وطُعن بأنواع الطعون صلوات ربي وسلامه عليه، وطعنوا في قصده وإرادته وفي هدفه، أنه يدعو إلى التوحيد لأغراض خاصة به؛ يريد أن يكون ملكاً، يريد أن يكون مسوَّداً، يريد أن يكون له المال والوجاهة، ﴿وَعَجِبوا أَن جاءَهُم مُنذِرٌ مِنهُم وَقالَ الكافِرونَ هذا ساحِرٌ كَذّابٌ۝أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلهًا واحِدًا إِنَّ هذا لَشَيءٌ عُجابٌ۝وَانطَلَقَ المَلَأُ مِنهُم أَنِ امشوا وَاصبِروا عَلى آلِهَتِكُم إِنَّ هذا لَشَيءٌ يُرادُ﴾ [ص: ٤-٦].

مضى الملأ منهم، ومشوا وهم يتواصون على عداوته، وعلى مناوأة دعوته (وَانطَلَقَ المَلَأُ مِنهُم أَنِ امشوا وَاصبِروا عَلى آلِهَتِكُم إِنَّ هذا لَشَيءٌ يُرادُ).

(إِنَّ هذا لَشَيءٌ يُرادُ) له مآرب، وله مقاصد، وله أهداف معروفة سرِّية، من وراء دعوته للتوحيد و إلى صلاح الناس، ليس مقصده التوحيد، ولا الدعوة إلى الصلاح، ولكنها مآرب أخرى، وأهداف سرية يريدها محمد (إِنَّ هذا لَشَيءٌ يُرادُ).

       وكان الله -عز وجل- يصبّره على هذه الأقاويل والطعون من أعدائه الكافرين به، فيقول الله -عز وجل- له: (﴿وَاصبِر وَما صَبرُكَ إِلّا بِاللَّهِ وَلا تَحزَن عَلَيهِم وَلا تَكُ في ضَيقٍ مِمّا يَمكُرونَ۝إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذينَ اتَّقَوا وَالَّذينَ هُم مُحسِنونَ﴾ [النحل: ١٢٧-١٢٨]. ويقول الله -عز وجل- له: (وَلَقَد نَعلَمُ). الله عز وجل يعلم كل شيء، ﴿وَلَقَد نَعلَمُ أَنَّكَ يَضيقُ صَدرُكَ بِما يَقولونَ﴾ [الحجر: ٩٧]. كيف لا يضيق صدره -صلوات ربي وسلامه عليه- وهو الذي يقولون له: إنك لمجنون، كذاب، كاهن، ساحر، صاحب أغراض وأهداف؟!  كيف لا يضيق صدره وهو بشر صلوات ربي وسلامه عليه؟! فيقول له ربه -عز وجل-: ﴿وَلَقَد نَعلَمُ أَنَّكَ يَضيقُ صَدرُكَ بِما يَقولونَ۝فَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ وَكُن مِنَ السّاجِدينَ۝وَاعبُد رَبَّكَ حَتّى يَأتِيَكَ اليَقينُ﴾ [الحجر: ٩٧-٩٩].

يعلم حالك وحالهم وما يقولون فيك (فَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ ) الجأ إلى التسبيح، الجأ إلى الله، وإلى ذكر الله، الجأ إلى السجود والصلاة.

(وَاعبُد رَبَّكَ) امضِ في طريقك، واستقم على دعوتك (حَتّى يَأتِيَكَ اليَقينُ) حتى الموت، وليست الطعون في النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من أهل الكفر المجلحين به فقط، بل من وسط المسلمين، من المنافقين ومرضى القلوب، وهذه أطم؛ لأن بعض المسلمين يسمع لهؤلاء يظن فيهم خيرا، وينخدع بالمنافقين الذين في وسط الصف، هذه الطامة الكبرى.

      طَعن فيه المنافقون -صلوات ربي وسلامه عليه- بأنواع الطعون، حتى وصلوا إلى عرضه صلوات ربي وسلامه عليه، طعنوا في عرضه، في عائشة الرضا، الطاهرة المطهرة، الصديقة بنت الصديق، فاتهموها بالزنا عياذاً بالله! تصور عبدالله، لو طُعن في عرضك، لو اتُهمت زوجتك بالزنا، كيف يكون حالك؟ وكيف يكون حالك لو كنت مشهورا؟ كيف يكون حالك لو كنت مصلحا، تدعو الناس إلى الخير والصلاح، ويكون الطعن في دارك، وفي عرضك، وفي زوجتك؟

       مكث النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- شهرا في ضيق شديد، ويسأل عن عائشة -رضي الله عنها- فلا يسمع عنها إلا كل خير، حتى من أشد الناس لها منافسة، حتى أنزل الله -عز وجل- عليه: ﴿إِنَّ الَّذينَ جاءوا بِالإِفكِ عُصبَةٌ مِنكُم لا تَحسَبوهُ شَرًّا لَكُم بَل هُوَ خَيرٌ لَكُم لِكُلِّ امرِئٍ مِنهُم مَا اكتَسَبَ مِنَ الإِثمِ وَالَّذي تَوَلّى كِبرَهُ مِنهُم لَهُ عَذابٌ عَظيمٌ﴾ [النور: ١١].الآيات…

(إِنَّ الَّذينَ جاءوا بِالإِفكِ) إفك وافتراء.

(عُصبَةٌ مِنكُم) عصابة وجماعة منكم أيها المؤمنون المسلمون، من بينكم، منهم المنافق، وعلى رأسهم رأس النفاق عبد الله بن أُبي، ومنهم الصالح الذي خُدع بكلام المنافقين، أمثال مسطح بن أثاثة، بدري من البدريين هلك، كما قالت عائشة -رضي الله تعالى عنها- فيمن هلك، أي دخل في هذا القول الباطل، والطعن في عائشة رضي الله عنها، وقصته طويلة، أنزل الله -عز وجل- عفوه عليه في السورة.

      قال: (عُصبَةٌ مِنكُم لا تَحسَبوهُ شَرًّا لَكُم) لا تحسبوه أيها المؤمنون شراً لكم (بَل هُوَ خَيرٌ لَكُم) خير لكم لما فيه من البلاء، من حطِّ السيئات ورفع الدرجات، وفيه خير لكم بكشف المنافقين الذين يندسون خلالكم، ولهذا قال لكل امرئ منهم نصيبه، كل واحد منهم له نصيبه من الإثم (لِكُلِّ امرِئٍ مِنهُم مَا اكتَسَبَ مِنَ الإِثمِ) نصيبه.

      (وَالَّذي تَوَلّى كِبرَهُ مِنهُم لَهُ عَذابٌ عَظيمٌ) هناك من يتولى كبر هذه الطعون، ومن يخطط لها، ويمكر لها، ويرسم الهدف، ويرسم الخطوات، ويبدأ بالأفعال (تَوَلّى كِبرَهُ) تولى عظمه، ولا يزال، فاذا كان هذا في زمان النبي -صلى الله عليه وآله سلم- فهو في كل زمان، هكذا يفعل الكافرون والمنافقون في أهل الإيمان والصلاة، والعلماء هم ورثة الأنبياء، يكون حظهم كبيرا من الطعن والتشنيع والتشويه بقدر علمهم وإيمانهم وتأثيرهم.

      وأول من طُعن فيهم بعد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- الصحابة، طُعن في أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وسائر الصحابة، طُعن في أبي بكر وعمر أنهم أخذوا الإمارة واغتصبوها، كيف اغتصبوها وفي قريش وفي العرب من هو أقوى منهم، من بني مخزوم، ومن بني أمية، ومن الأنصار أصحاب الدار؟! طُعن في أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- من قبل الرافضة والسبئية والمنافقين، أنهم أسقطوا جنين فاطمة، وكسروا ضلعها، وأين علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- بطل بني أبي طالب من ذلك لو فعلوا ما فعلوا؟!

      وطُعن في عثمان أنه حرّف المصحف، وفعل وفعل… فسار على غير طريق الشيخين أبي بكر وعمر، وطعنوا في علي رضي الله عنه، طَعن فيه الخوارج، فقالوا: حكمَ بغير ما أنزل الله. وكانوا ينادونه وهو في الصلاة يقولون: إن الحكم إلا لله. فإذا انتهى من الصلاة قال: كلمة حق أريد بها باطل. 

وطُعن في التابعين وفي الأئمة المهديين، طُعن في أبي حنيفة النعمان الإمام الأعظم رحمه الله تعالى، طُعن فيه من قبل الملاحدة، ومن قبل غلاة أهل الحديث، حتى قالوا: لقد استتيب أبو حنيفة مرتين من الكفر، وطُعن فيه أنه من أهل الإرجاء، وأنه من الخارجين، وأنه يرد الكتاب والسنة، وطُعن في الإمام مالك أنه من الخارجين على الأئمة.

       وطُعن في الإمام الشافعي-عليه رحمة الله- وهو في نجران من أعدائه وحساده، فقالوا: هذا رافضي، وهذا من الخارجين الذين يؤلبون الناس على الثورة. فحمل من نجران إلى بغداد بين يدي هارون الرشيد، وكان في مجلسه الإمام محمد بن الحسن الشيباني، فدافع عنه، وأنجاه الله، وطُعن في الإمام احمد -عليه رحمة الله- أنه يريد أن يؤلِّب الناس على المأمون، وعلى الدولة العباسية، وأنه يقول بغير قوله، وابتلي في محنة القول بخلق القرآن، فصمد -رضي الله عنه- حتى سمي إمام أهل السنة.

      وهكذا في التاريخ كله الطعن في الأئمة، وفي العلماء، وفي الدعاة، وفي الصالحين، وكل هذه الطعون ذهبت أدراج الرياح، وذهب الطاعنون، وبقي المطعون فيهم يُزَكَّون أعلاماً يهتدى بها، لماذا؟ لأن الله-عز وجل- يدافع عن عباده المؤمنين وأوليائه المتقين، كما قال -سبحانه وتعالى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذينَ آمَنوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوّانٍ كَفورٍ﴾ [الحج: ٣٨].

      أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يتقبل منا ومنكم! اللهم اجعلنا ممن يستمع القرآن فيتبعه!

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

                      الخطبة الثانية

       الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

       أما بعد، أيها المسلمون عباد الله، اتقوا الله حق تقواه. عباد الله، إن آلة الإعلام ومكينة الإعلام، التي يحركها أعداء الإسلام من المشركين الكافرين، ومن المنافقين والمبتدعين، والضالين والحاسدين، لتعمل عملها، وتنتج إنتاجها، لتصرف الناس عن الحق وعن أهل الحق، ولكن الإنسان العاقل يستخدم عقله، الإنسان العاقل أعطاه الله-عزو وجل- عقلا، وأعطاه سمعاً وبصراً، لا بد أن يشغل عقله، ولا يسلم عقله لغيره،  لا بد أن يحفظ سمعه، ولا يجعل سمعه قمامة يُوضع فيها كل شيء، ولا بد أن يحفظ قلبه، فلا يجعل قلبه إسفنجة تشرب كل شيء، عليه أن يكون عاقلاً بصيراً يسمع بنفسه، ويبحث بنفسه، ولا يكون جزء من الآلة المتحركة، تجره إلى حيث تشاء لا إلى حيث يشاء.

     احفظوا هذه القصة، فيها عبرة من قصة الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه، والطفيل بن عمرو الدوسي -رضي الله عنه وأرضاه- صحابي جليل، سيد وشاعر، سيد دوس القبيلة اليمنية، كبيرها وزعيمها، وشاعر صاحب أدب، وشعر، وفصاحة، وقول، ولا يكون كذلك إلا صاحب عقل،  لما قدم مكة يقال أنه قدم في السنة السادسة، وقيل في غيرها، استقبلته قريش، استقبله كبراؤها، وقالوا: يا طفيل إنك سيد وشاعر، وإنه قد ظهر بين ظهرانينا رجل ساحر، يفرق بين الرجل وأبيه، وبين الرجل وزوجته، وبين الرجل وابنه، فاحذر منه على نفسك وقومك. فما زالوا يخوفونه به، قالوا له: لا تكلمه، ولا تسمع منه شيئا. وأرعبوه من هذا الرجل، وهو رجل عاقل، السيد الشاعر، لكنها آلة الإعلام تعمل عملها، يأتيك الكبراء والوجهاء، ويعبؤنك التعبئة الكبيرة، قال: حتى دخلت المسجد، وقد وضعت الكرسف -القطن- خشية أن أسمع منه شيئا.  قال: فدنوت إلى الكعبة، فاذا به يصلي صلوات ربي وسلامه عليه. قال: وأبى الله إلا أن أسمع بعض كلامه.

وصلت بعض كلماته إلى أذنه، فقال الطفيل -رضي الله عنه-: والله إن هذا هو العجز. قال: وأنا أعرف الكلام حسنه وقبحه، لماذا لا أسمع من هذا الرجل؟ إن سمعت منه خيراً أخذته، وإن سمعت منه غير ذلك تركته. فأزال الكرسف من أذنيه، ترك كل ما قالته وصنعته وسائل الإعلام القرشية على جنب، وسمع بنفسه، والمثل يقول: اسمع مني، ولا تسمع عني. احفظوا هذا: اسمع مني، ولا تسمع عني. خذ مني مباشرة، واحكم.

قال: فرميت الكرسف وسمعته. فيا لله ما سمع! قال: فما سمعت كلاماً أحسن من كلامه، ولا أمراً أعدل من أمره، فلما خرج تبعته ودخلت عليه في داره.

وأخبره الخبر، وقص عليه قصته، وقال: أسمعني يا محمد. فأسمعه القرآن، فشهد الشهادتين، وذهب إلى دوس، فأتى بهم جميعا، أسلمت دوس كلها على يده، ويكفيه منهم أبو هريرة الدوسي، أحد تلاميذه وأتباعه الذي ملأ الدنيا علماً، ممن أسلم على يديه، ومن أتباعه وقبيلته.

       هكذا يشغل الإنسان عقله، ولا يسلم عقله لغيره، ليذهب به حيث يشاء، لا تلتفت إلى كل ما يقال، ولا تصدق كل ما تسمع، وشغل عقلك عبدالله، واتقِ الله -عز وجل- في أن تكون من الطاعنين في أوليائه المتقين ﴿أَلا إِنَّ أَولِياءَ اللَّهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ۝الَّذينَ آمَنوا وَكانوا يَتَّقونَ﴾ [يونس: ٦٢-٦٣].
إن الله -عز وجل- هو الذي يدافع عن أوليائه، ويعلن الحرب على من تحدث فيهم، أو تكلم فيهم، كما جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في حديث الولي: “إِنَّ اللهَ قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ”. أي أعلنت عليه الحرب.

      فلنتقِ الله عباد الله، ولنحفظ ألسنتنا وعقولنا وقلوبنا، ولنتجه إلى ما يصلحنا، ولنحذر من أعداء الله من الكافرين و المنافقين.

       أسأل الله-سبحانه وتعالى- أن يأخذ بأيدينا وأيديكم إلى كل خير، وأن يحفظ وطننا من كل شر! اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات! اللهم انك سميع قريب مجيب الدعوات! اللهم انصر عبادك المجاهدين في كل مكان! اللهم انصر عبادك المجاهدين في كل مكان! اللهم انصر عبادك المجاهدين في كل مكان! اللهم انصر عبادك المجاهدين في غزة! اللهم انصرهم نصراً مؤزرا، وافتح لهم فتحا مبينا!

            عباد الله، صلوا وسلموا على من أمركم الله -عز وجل- بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٥٦)} [سورة الأحزاب: ٥٦].

      اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

       عباد الله، إن الله يأمر بالعدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء، والمنكر، والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

زر الذهاب إلى الأعلى